حين يصبح الدب أرنبا… ويمنح الأرنب هيئة نمر

بقلم: محمود سعيد برغش

تُخبرنا القصص الساخرة في الأدب الجيكي أكثر مما تخبرنا بيانات الحكومات وتقارير الخبراء؛ فهي تُعرّي الواقع بلغة بسيطة، وتضع أمامنا مرآة لا ترحم. ومن تلك القصص حكاية “الدب الذي عُيّن أرنبًا”، وهي حكاية تبدو مضحكة… لكنها في حقيقتها مأساة إدارية نعيشها كل يوم.

أعلنت إحدى الغابات عن وظيفة شاغرة لوظيفة أرنب. لم يتقدّم أحد سوى دبّ عاطل يبحث عن لقمة العيش. تم قبوله وتعيينه فورًا، وتسلم مهام الأرنب دون اعتراض.

ومرت الأيام حتى اكتشف الدب المفارقة العجيبة:
هناك أرنب آخر معيّن بدرجة دب، ويحصل على راتب ومخصصات وعلاوة دب كاملة!
بينما هو، صاحب القوة والهيبة، لا يُعطى إلا فتات “مخصصات أرنب”.

رفع الدب شكواه، فانتقلت بين المكاتب حتى وصلت إلى “اللجنة العليا” من النمور… التي هي في الحقيقة حمير، لكنّ الأوراق تُصرّ على أنهم نمور!

طلبت اللجنة أوراق الأرنب فجاءت كاملة تثبت أنه “دب”.
وطلبت أوراق الدب فجاءت كل الوثائق لتقول إنه “أرنب”.

فصدر القرار:
لا تغيير. فالأوراق الرسمية أقوى من الحقيقة.

الغريب أن الدب قبل الحكم دون اعتراض. وحين سألوه قال جملة اختصرت فساد العالم كله:

> “كيف أعترض على لجنة تدّعي أنها نمور،
بينما كل الحقيقة تقول إنهم حمير؟”

الدلالات الأخلاقية والإنسانية هذه ليست حكاية عن الحيوانات، بل عن عالم تتبدل فيه الهويات والمؤهلات بالتعيين لا بالقدرة، وبالورق لا بالإنجاز.

يقول الله تعالى:

﴿وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾
(البقرة: 42)
وهي آية تُعبّر بدقة عن لحظة تزوير الحقيقة لصالح صاحب الورق الأقوى.

ويقول النبي ﷺ: “من استعمل رجلاً على عصابة وفيهم من هو أرضى لله منه فقد خان الله ورسوله والمؤمنين.”
(رواه الحاكم)

وهنا تكمن مأساة القصة:الخيانة الإدارية حين يُقدَّم غير الكفء، ويُقصى صاحب الحق.

تحليل اجتماعي: لماذا يتحوّل الدب إلى أرنب؟ هذه القصة تسلّط الضوء على ثلاثة أمراض خطيرة في أي مجتمع:

١. تقديس الورق على الحقيقة

تُصبح الأوراق والأختام أهم من الواقع نفسه، ويُقاس الإنسان بالملفّ لا بالكفاءة.

٢. ترفيع غير المستحقين وخفض أصحاب القدرة

فتجد أرنبًا يُعامل كـ”دب” لأنه صاحب واسطة، وتجد دبًّا يُعامل كـ”أرنب” لأنه بلا سند.

٣. لجان من “الحمير” بملابس نمور

لجان شكلية لا تدافع عن الحق بل تحفظ مواقعها بالاتباع والصمت.

ما لم يعترف المجتمع أن القوة الحقيقية في العدل والكفاءة لا في العناوين الفارغة…
وما لم تُستبدل اللجان الورقية بـلجان تحترم الضمير…
سيظل الدب أرنبًا، والأرنب نمرًا، والحمير نمورًا.

وسيبقى الظلم قائمًا…
حتى ينهض الدبّ الحقيقي ليقول: كفانا عبثًا!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *