الإنسحاب السلبي من الحياة

بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا، أحمده سبحانه على كل فضل وأشكره على كل نعمة، وأتوب إليه وأستغفره إعلانا وسرا، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له أحاط بكل شيء خبرا، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله أعلى الناس منزلة وقدرا، وأوصلهم رحما وبرا، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، ثم أما بعد إن المؤمن الذي رضي بالله تعالي ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا، وباليوم الآخر مصيرا، لا يفكر في هدم بنيان الله عز وجل، ولا في وضع حد لمشروع حياة أراد له الخالق سبحانه أن يستمر إلى حين لكونه يعلم أولا أن نفس الإنسان ملك للخالق، وحق التصرف المعطى له لا يخول له إعدامها، ولأنه يعلم ثانيا أن الانتحار ليس حلا بمنطق الدنيا والدين فهو انسحاب سلبي من الحياة،
وخسران لدار هي الحياة، حيث قال الله عز وجل فى سورة العنكبوت ” وإن الدار الآخرة لهى الحيوان لو كانوا يعلمون” إذ، فلا يُقبل على الانتحار إلا من فَقد وجهته في الحياة، وكان يعيش بعيدا عن واهب الحياة جل جلاله، وإن المؤمن حقا يعشق الحياة ويعمرها بصالح الأعمال، وأقصى ما يتصور في المسلم إذا كثرت عليه الخطوب والهموم أن يطلب من الله حسن الاختيار، لا أن يختار بنفسه المصير المجهول، وعن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به، فإما محسنا فعسى أن يزداد، وإما مسيئا فعسى أن يتوب” رواه البخارى ومسلم، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث آخر “فإن كان لا محالة، فليقل اللهم أحييني ما علمت الحياة خيرا لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي”
بل ورد أن ” خير الناس من طال عمره وحسن عمله” لذلك كله حرم الإسلام قتل النفس بغير حق، واعتبر قتل الإنسان نفسه في الجرم والبشاعة أعظم، وعد القتل في الحالين كبيرة من الكبائر وجريمة من أعظم الجرائم، وأوعد على ذلك بالعقاب الأليم، وموضوع الانتحار يمكن النظر إليه من جانبين، فالجانب الأول وهو وصول الحالَة المرضية إلى مستوى الذروة حين يفقد المريض وعيه، فهنا يسقط عنه التكليف، والمسؤولية يتحملها أهل المريض مراقبة وتمريضا بعرضه على الطبيب الاختصاصي، وكثيرا ما يخطئ أقارب المريض مرضا نفسيا، فيعاملونه معاملة الأصحاء وهو غير صحيح، ما دام مرضه غير مشاهد لأنه يتعلق بوجدانه ومشاعره وأحاسيسه، فلا بد هنا من الصبر على تمريض المريض فإن كان صبره صبر اضطرار، فصبر الأهل صبر اختيار.
ومن ثم يضاعف لهم الأجر والثواب، والحقيقة أن الأشد ألما من المرض على المريض لا مبالاة أهله وتبرمهم منه، وأما عن الجانب الثاني وهو حالة الإنسان السوي الذي يفكر في الانتحار إثر تدافع أسباب متعددة جعلته يعيش حالة اليأس والاكتئاب وهذه الحالة هي التي ينفع معها الكلام، ويتركز فيها الخطاب، ويقول الله تعالى فى سورة النساء ” ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما” ويقول تعالى فى سورة البقرة “ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة” وعن أبي هريرة رضى الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “من قتل نفسه بحديدة، فحديدته في يده يتوجأ بها في بطنه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا، ومن شرب سُما فقتل نفسه فهو يتحساه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا، ومن تردّى من جبل فقتل نفسه فهو يتردى في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا” رواه البخارى ومسلم.