المعتمر المصري… حين تُختبر الكرامة داخل الحرم

بقلم: محمود سعيد برغش
في واقعةٍ هزّت الرأي العام المصري والعربي، انتشر مقطع فيديو يُظهر مشادةً بين أحد أفراد الأمن في الحرم المكي ومعتمرٍ مصري كان برفقة زوجته.
الحادثة التي بدت بسيطة في ظاهرها، حملت في داخلها سؤالًا كبيرًا عن الكرامة الإنسانية، وحدود التعامل داخل أقدس بقاع الأرض.
ما بين رواياتٍ متضاربةٍ وبياناتٍ رسمية، وقف الملايين يتساءلون: كيف وصلنا إلى هذه الصورة في بيت الله الحرام؟
تداولت مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو لمعتمر مصري يُظهر اعتراضه على تصرّف أحد رجال الأمن داخل الحرم المكي، بعدما حاول الأخير دفعه لإخلاء المكان المخصص للطواف.
ظهر الرجل المصري بهدوءٍ وثبات وهو يقول:
> “إيدك ما تتمدّ… أنا بكلمك بكل ذوق واحترام، المفروض تتعامل كده أنت كمان.”
فيما كانت زوجته تُوثّق المشهد بهاتفها قائلة:
> “إحنا بنتبهدل في السعودية من فرد الأمن.”
الواقعة لم تمرّ مرور الكرام، إذ سارعت السلطات السعودية لإصدار بيان رسمي أكدت فيه ضبط الشخص الذي ظهر في الفيديو وفتح تحقيق عاجل في ملابسات ما حدث.
وفي المقابل، تحركت وزارة الخارجية المصرية سريعًا للتواصل مع السفارة المصرية في الرياض والقنصلية في جدة للتأكد من سلامة المواطن المصري وزوجته، ومعرفة حقيقة ما جرى.
وزارة الخارجية أكدت في بيانها أنها تتابع الواقعة لحظة بلحظة، وأن حقوق المواطنين المصريين في الخارج مصانة، خاصة في الأماكن المقدسة.
وطلبت السلطات المصرية توضيحًا رسميًا من المملكة بشأن سلوك رجل الأمن وطبيعة التعامل مع المعتمر وزوجته.
القوات الخاصة لأمن الحج والعمرة أعلنت في بيان رسمي أن الشخص الظاهر في المقطع تم التعامل معه «وفق التعليمات والأنظمة المعمول بها داخل الحرم»، مؤكدة احترامها التام للمعتمرين من مختلف الدول.
كما شدّد الشيخ عبد الرحمن السديس – رئيس شؤون الحرمين – على أن «الحرم المكي مكان طاهر لا يُقبل فيه أي تجاوز أو إساءة، وأن أمن الزوار وسلامتهم أولوية مطلقة».
الحرم المكي الشريف ليس مكانًا عاديًا، بل هو موضع السكينة والرحمة والمساواة.
ولذلك، فإن أي مشهدٍ للعنف أو التعدي، ولو لفظيًا، يُحدث صدمة في وجدان المسلمين جميعًا.
القضية هنا ليست مصرية أو سعودية، بل قضية كرامة إنسانية في أقدس مكان على وجه الأرض.
ومن الناحية القانونية، فإن ما حدث – إن ثبت تجاوزه – يستوجب تحقيقًا شفافًا يُنصف كل الأطراف، ويُعيد الثقة بين الزوار ورجال الأمن في الحرمين الشريفين.
من المؤسف أن تتحول مشاعر الإيمان والخشوع إلى توترٍ وصدام في بيت الله الحرام.
لا أحد فوق القانون، ولكن لا أحد أيضًا يُنتزع منه حقّه في الاحترام.
إنّ بيت الله الحرام ليس ساحة سلطة، بل ميدان عبادة ومغفرة ورحمة، وواجب كل مسؤولٍ أو رجل أمنٍ أن يُجسّد هذه المعاني في سلوكه قبل كلماته.
على السلطات في البلدين أن تُغلق هذا الملف بشفافية وعدل واحترام للكرامة الإنسانية، لأن الحرم المكي سيبقى رمزًا للوحدة لا موضعًا للفرقة.
الكرامة لا تُقاس بجواز السفر، بل تُقاس بإنسانيتنا حين نُخطئ وحين نعتذر.
ولعل هذه الواقعة تكون جرس تنبيهٍ للجميع:
أن نعيد النظر في أساليب التعامل مع المعتمرين، وأن نُدرك أن كل حاجٍّ أو معتمرٍ هو ضيفٌ في بيت الله قبل أن يكون زائرًا لأي دولة.
بقلم: محمود سعيد برغش
كاتب وصحفي مصري – يهتم بالقضايا الإنسانية والاجتماعية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *