تعرفوا إلى الله في الرخاء..

فاطمة عبد العزيز محمد
إن بعض الناس لا تعظم الله حق تعظيمه، فهو لا يعبد الله إلا لحاجة في نفسه فإذا انقضت حاجته أعرض بجانبه، وثم لا تراه يستحي أن يعود مرة أخرى عند الحاجة فيطيع، ويطلب حاجته، ثم يولي دبره مستغنيًا بعد حصول مطلوبه.
فنرى البعض لا يعرف ربه إلا عند الحاجة، أو قل عند الشدة، وكأنهم يتعاملون مع من لا يعرف نواياهم، وما يختلج في قلوبهم، ألا إن هذا هو الجهل بالله رب العالمين.
وقد أخرج الترمذي في سننه وصححه من حديث عبدِ الله بنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما قالَ: كُنتُ خَلفَ النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم- فقال: «يا غُلامُ إنِّي أعلِّمُكُ كَلماتٍ: احفَظِ الله يَحْفَظْكَ، احفَظِ الله تَجِدْهُ تجاهَكَ، إذا سَأَلْت فاسألِ الله، وإذا استَعنْتَ فاستَعِنْ باللهِ، واعلم أنَّ الأُمَّةَ لو اجتمعت على أنْ ينفعوك بشيءٍ، لم ينفعوك إلاَّ بشيءٍ قد كَتَبَهُ الله لكَ، وإنِ اجتمعوا على أنْ يَضرُّوكَ بشيءٍ، لم يضرُّوك إلاَّ بشيءٍ قد كتبهُ الله عليكَ، رُفِعَتِ الأقلامُ وجَفَّتِ الصُّحُفُ».
وفي رواية غير التِّرمذي: «احفظ الله تجده أمامَك، تَعرَّفْ إلى اللهِ في الرَّخاء يَعْرِفْك في الشِّدَّةِ، واعلَمْ أنَّ ما أخطَأَكَ لم يَكُن لِيُصِيبَكَ، وما أصابَكَ لم يَكُن ليُخطِئَكَ، واعلَمْ أنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبرِ، وأنَّ الفَرَجَ مَعَ الكَرْبِ، وأنَّ معَ العُسْرِ يُسراً».
وفي قوله -صلى الله عليه وسلم-: «تعرَّف إلى الله في الرَّخاء، يعرفكَ في الشِّدَّةِ» يبين أن العبد إذا اتقى الله، وحفظ حدوده، وراعى حقوقه في حال رخائه، عرفه ربه في الشدة، فينجيه من الشدائد بهذه المعرفة.
فلنعبد الله لما تقدم من سابق نعمه، نعبده لما نتلقيه من النعم صباحًا ومساءً، ولنحذر أن نتشبه بفعال المشركين الذين لا يعرفون ربهم إلا في حال الشدة كما قال تعالى:
﴿ فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ﴾ العنكبوت: 65.
وقد فر عكرمة بن أبي جهل رضي الله عنه يوم فتح مكة فركب البحر للحبشة، فلعب بهم الموج، فقال ربان السفينة: “أيها الناس! أخلصوا الدعاء لله، فلن ينجيكم من الغرق إلا هو”، فقال رضي الله عنه: “إن كان لا ينجيني في الشدة إلا هو، فلا ينجيني في الرخاء إلا هو، فلما نجو رجع وأسلم”.
ويروى أن يونس -عليه السلام – لمَّا دعا في بطن الحوت، قالت الملائكة: “يا ربِّ، هذا صوتٌ معروفٌ من بلادٍ غريبة، فقال الله – عز وجل -: أما تعرفون ذلك؟ قالوا: ومَنْ هوَ؟ قال: عبدي يونس، قالوا: عبدُك يونس الذي لم يزل يُرفَعُ له عمل متقبل ودعوةٌ مستجابة؟ قال: نعم، قالوا: يا ربِّ، أفلا ترحم ما كان يصنع في الرخاء فتنجيَه من البلاء؟ قال: بلى، قال: فأمر الله الحوتَ فطرحه بالعراء”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *