الفقر والغنى..

فاطمة عبد العزيز محمد
إن الغنى والفقر ابتلاء من الله تعالى لعباده، يوسع على هذا ويهبه الخيرات، ليسمع حمده وشكره، أو يتجبر ويطغى، ويقدر على آخر رزقه ويمنع عنه شيئًا من الدنيا، ليمتحن صبره ورضاه، أو يعلن تسخطه وجزعه، قال الله تعالى: (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ) [الأنبياء: 35].
وعجبًا لحال المؤمن، إن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له، وإن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له، فهو بين مطالعة الجناية ومشاهدة المنة، يصبر ويشكر والله أعلم بحاله منه: (أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) [الملك: 14].
وقد يكون الفقر هو الخير للعبد، قال الله تعالى: (وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ) [الشورى: 27]؛ أي: لشُغِلوا عن طاعته، وحملَهم ذلك على البغي والطغيان والتجبر على الخلق، قال الله تعالى: (وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ).
وإذا ابتلي العبد بالفقر فإن الصبر أجل عبادة في هذا المقام، ومن ضاق رزقه، وخشنت عيشته، فلا يضق صدره، ولا يتنكد في حياته، فإن معيشة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وجل أصحابه كانت كفافًا، ومتاع الدنيا القليل الزائل لا يستحق الأسى والحزن على فواتها، وحتى تهدأَ النفس وتعرف قدر نعمة الله تعالى عليها، وتؤدي شكر الله وجاء التوجيه النبوي في قول رسولنا الكريم -صلى الله عليه وسلم-: “إذا نظر أحدُكم إلى من فُضِّل عليه في المال والخلق فلينظُر إلى من هو أسفلَ منه ممن فُضِّلَ عليه”. وزاد مسلم في روايته: “فهو أجدرُ ألا تزدرُوا نعمة الله عليكم”.
ولقد دعا الإسلام الفقراء خاصة -كما دعا الأغنياء- إلى أن يربوا أنفسهم على غنى النفس، بكبح جماحها، وتهذيبها لتصل إلى القناعة والرضا بما قسم الله ولو كان يسيرًا،
كما عالج الفقر بدعوة الفقراء إلى العمل، ونبذ البطالة والكسل، حتى لا يكونوا عالة على المجتمع وعلى أنفسهم وأُسرهم.
ليجعل الفقير من نفسِه عضوًا حيا، يأكل بيده، يقيم أوده، يحفظ كرامته، يربِي أولاده على العزة، يبني مجتمعه، يسهِم في البناء والتنمية، وليكون ذلك عونا له على طاعة الله، ومعرفته، وحسن الصلة به والتطلع إلى الآخرة، فهي خير وأبقى.
وقد امتن الله على رسولِه -صلى الله عليه وسلم- بالغنى بعد الفقر، وأن ذلك نعمة فقال: (وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى) [الضحى: 8].
وحيث أن أيضا نجد ان العمل بصناعة أو حرفة أو زراعة شرف وكرامة، فيقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “ما أكلَ أحدٌ طعامًا قطُّ خيرًا من أن يأكلَ من عمل يدِه”.
فهذا هو السلوك السليم، والطريق المستقيم، أما التسول وسؤال الناس، صفة ذميمة وعمل قبيح، قال -صلى الله عليه وسلم-: “ما يزالُ الرجلُ يسألُ الناسَ حتى يأتي يوم القيامة وليس في وجهِه مُزعةُ لحم”.
وقال: “من سألَ الناسَ أموالَهم تكثُّرًا فإنما يسألُ جمرًا، فليستقِلَّ أو ليستكثِر”.

عرض الرؤى
معدل وصول المنشور: ٢
أعجبني
تعليق
إرسال