المنفعة للآخرين قبل النفس

بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله الذي خلق فسوى وقدر فهدى، وأسعد وأشقى، وأضل بحكمته وهدى، ومنع وأعطى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له العلي الأعلى، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله النبي المصطفى، والرسول المجتبى، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى، أما بعد إن البركة هي النماء والزيادة في الخير، وهي ثابتة في الشرع للقرآن الكريم، والأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وزمزم، ولبعض الأزمنة والأمكنة، كمكة المكرمة والمدينة المنورة، وشهر رمضان ويوم الجمعة، وقد ثبتت بركة النبي صلى الله عليه وسلم بأدلة كثيرة قطعية اتفق عليها المسلمون، وقد رأى الصحابة رضوان الله عليهم هذه البركة بأعينهم، فكانوا يقتتلون على وضوئه، ويأخذوا من ريقه وعرقه، ويمسحوا أبدانهم بيده، ويحرصوا على ملامسته.
وكل ذلك بمرأى منه وإقرار صلوات الله وسلامه عليه، وعن المسور بن مخرمة رضي الله عنه قوله عن يوم الحديبية “فوالله ما تنخم رسول الله صلى الله عليه وسلم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه” رواه البخاري، واعلموا يرحمكم الله إن التميز ينبغي أن يكون عمليا، ومما فيه خير ومنفعة للآخرين قبل النفس فعن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول “إنما الناس كالإبل المائة، لا تكاد تجد فيها راحلة” ومن الضروري الانتباه إلى اللفظ النبوي الشريف الراحلة كتعبير عن التميز، والراحلة مع الإبل في القافلة في العادة، ولكنها تتميز بأنها تحمل الأمتعة والغذاء، وربما الماء، ما يعني معها منافع القوم وحاجاتهم للحياة.
وهذا هو المطلوب من المتميز أن يقدم للناس أمور ديمومة حياتهم وبقائهم، وهذا هو الأمر الإيجابي المهم الذي يجب أن نكون عليه مع الآخرين، وإذا كان العالم الإسلامي يعيش منذ أمد بعيد في حالة تخلف حضاري فإن ما يتربع على قمة هذا التخلف هو التردي العلمي والتقني، والجمود والبطء في حركة الاجتهاد إزاء قضايا الدين ومستحدثات الحياة، فإذا أرادت الأمة كسر قيود التخلف فلا مفر من حركة إحياء للمعرفة والعلم، ولن يحدث ذلك إلا باستنفار لمشروع نهضة علمية أو ثورة معرفية تبدأ بالقضاء على الأمية، والارتقاء بمستوى التعليم، ونظم حفظ المعلومات، وتوظيف المعرفة، وتسخير التقنيات الصناعية والزراعية والتربوية، ولن يتحقق ذلك إلا بإرساء قواعد البحث العلمي وتنشيط حركته في المجالات الطبيعية والإنسانية على قدر سواء.
ولكن إذا ضاعت الأمة فقد تودع منها كل شيء فانظروا إلي هذه البرامج الهابطة الساقطة التي لا شرع يبيحها ولا ذوق يصوغها إنما هي بيع الوهم، واستعمال اسم النجم بدل اللفظ المناسب وهو الفحم يجلس الشباب والشابات في أحوال يمجها الطبع السليم ويرفضها الشرع الحنيف ثم يأتى بعد ذلك الوالدان الذان فازت ابنتهما ليحمدا الله على فوز ابنتها ويقول الأب “الحمد لله” يحمد الله على المعصية، الحمد لله الذى وفق ابنتي ولم يخيب ظنى وأملي, ورفعت ابنتي اسم بلدى، لا والله، لا بهذا يرفع اسم البلدان وما بهذا تتحقق العزة المنشودة والمنعة المأمولة فهذا الانبطاح وهذا الذوبان وهذا التهتك لا يجسد إلا حقيقة واحدة، هي أننا ابتعدنا عن الله وعن شرع الله تعالى حتى انقلبت عندنا الحقائق وأصبنا بعمى الألوان.
وهذا يؤكد واقع عدم محاسبتنا لأنفسنا إذ لو كان كل واحد منا يحاسب نفسه، ويزنها بميزان الشرع لما كان هذا مستساغ وبالتالي لما كانت الأمة على ما هى عليه اليوم من تبعية وانبطاح وانهزامية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *