المفكر الاقتصادي شريف دلاور «السردية الوطنية» لم تكشف القطاعات الاستراتيجية التى ستبقى في يد الدولة

قال المفكر والخبير الاقتصادى، شريف دلاور، إن جهدًا كبيرًا بذل فى إعداد السردية الوطنية للتنمية الاقتصادية، وإن طرحها للحوار بهدف الإضافة والتصحيح والنقد أمر جيد ولا ينتقص من قيمة العمل.
وأضاف، فى حواره لصحيفة«المصرى اليوم»، أنه قرأ الوثيقة الكبيرة كاملة، وقرأ حوار وزيرة التخطيط مع «المصرى اليوم» بالكلمة، ويفضل أولًا أن تكون السردية «للتنمية الاقتصادية والاجتماعية»، مع ضرورة وجود مؤشرات واسعة للحكم على النشاط الاقتصادى كله وليس السردية فقط.
ونبه «دلاور» إلى مفارقات بشأن مساهمة الاستثمار الأجنبى فى الناتج، وإلى غياب منظور واضح للعدالة الاجتماعية، وتساءل عن طبيعة تمكين القطاع الخاص وعن ضعف الطبقة المتوسطة. وطالب بمنظومة محفزة للصناعة وبإفراد فصل خاص للزراعة، وبأهمية التعاطى مع الثورة الصناعية الخامسة، ومع أفول العولمة، ودعا إلى تغيير الطموحات الضعيفة فى بعض مؤشرات السردية، وإلى نص الحوار:
■ كنت من أوائل مَن قرأوا النص الكامل للسردية.. كيف رأيت الصورة العامة؟
– السردية تقع فى 665 صفحة، والخلاصة فى البداية فى 104 صفحات، تليها 5 فصول، ثم المستهدفات فى النهاية. وبدون ترتيب للأهمية، أبدأ بالفصل الثالث الذى هو عن التنمية الصناعية والتجارية، ولدىَّ سؤال عن ما هى القطاعات الاستراتيجية التى ستبقى فى يد الدولة؟، فالسردية تتحدث عن قطاعات استراتيجية دون توضيح، ويلزم أن نعرف لأن هناك أحاديث كثيرة عن بروزعصر ما بعد العولمة أو تباطؤ العولمة- والسردية لفتت إليه، وما يسمى «الوطنية الاقتصاديه»، حيث كل دولة تفكر فى مصالحها، فى ظل الحمائية والتعريفات الجمركية الترامبية والحرب التجارية وغيرها. لقد وجدنا إدارة ترامب تحث الحكومة على شراء أسهم أو شركات والتدخل فى الصناعة وشراء حصص من شركات مثل «إنتل»، أى ثمة اختلاف عن المنظور السابق بالنسبة لتدخل الدولة ودور الدولة فى الاقتصاد، لننتقل إلى فترة جديدة تسيطر فيها الوطنية الاقتصادية على العالم بشكل أو بآخر فما هى رؤية السردية أو الحكومة لذلك؟.
■ كيف نطبق فكرتك بضرورة عمل تحديد جديد للقطاعات التى تبقى بيد الدولة؟
– فى الاستثمار الأجنبى المباشر تشير السردية إلى قطاعات اللوجستيات والنقل، والتعهيد والاتصالات والفنادق والسياحة، والمستشفيات، ثم جاءت الصناعات الغذائية ومراكز البيانات، لكن الـ3 قطاعات الأخيرة قطاعات استراتيجية بالدرجة الأولى وتمس المواطن والدولة والعدالة الاجتماعية بشكل مباشر ولابد أن يكون للدولة دور فيها. كما يجب أن يخضع الاستثمار الأجنبى لذات القيود التى تخضع لها الدولة وتتعلق بالاقتصاد الأخضر، فلا نقيد الدولة فى مجال ونتركه مفتوحًا للاستثمار الأجنبى، وهذا التباين موجود فى حديث السردية عن استراتيجية التنمية الصناعية الخاصة بالدولة. وبعد استثمارات الدولة والقطاع الخاص تأتى القطاعات المشتركة، لكن كلمة مشتركة ما المقصود بها، هل مشتركة بين الدولة المصرية وبين القطاع الخاص؟، أم بين الاستثمار الأجنبى والدولة؟، أم بين القطاع الخاص المصرى والأجنبى؟، وأرى أنه لا وضوح بالنسبة لما يسمى القطاعات المشتركه، وهى الغزل والنسيج، والملابس الجاهزة، والإلكترونيات، والسيارات والصناعات المغذية للسيارات، وصناعات الطاقة المتجددة.
■ لكن مساهمة الاستثمار الأجنبى محدودة فى النهاية؟
– هنا إشكالية أخرى، فاذا كانت كل القطاعات المستهدفة للاستثمار الأجنبى المباشر بهذا الحجم الكبير، فكيف حددت السردية المستهدفات فى 2030 وفيها أن مساهمة الاستثمار الأجنبى المباشر تبلغ 4.4٪ فقط من الناتج الإجمالى؟، كيف يتم منحه هذه القطاعات المهمة ثم نصل لتواضع شديد فى النتائج؟، وأشير هنا إلى أن الاستثمار الأجنبى المباشر استحوذ على الفصل الثانى بالكامل من السردية.
■ هل من ملاحظات أخرى بشأن التنمية الصناعية؟
– أيضًا فى الجزء الخاص بالتنمية الصناعية، وهذه جزئية مهمة لأنها أساس النمو والتشغيل وفقًا للسردية، فإنه بحلول يوليو 2027، أى بعد سنتين، يتم إصدار الاستراتيجية الوطنية للمشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر وريادة الأعمال، لماذا هذا التأخير حتى يوليو 2027، رغم أهميتها؟. إن كل الدراسات بهذا الخصوص موجودة بالكامل منذ إنشاء الصندوق الاجتماعى للتنمية مع الإصلاح الاقتصادى 1991- 1995 ومنذ وجود شركة ضمان تمويل مشروعات الصناعات الصغيرة والمتوسطة، إذًا كيف يتم ترحيل ذلك؟!!.
وأود أن أشير- قبل أن أنهى الحديث عن الفصل الثالث الخاص بالتنمية الصناعية والتجارة الخارجية- إلى أن الميزة التنافسية لأى صناعة تتحقق من خلال ما يسمى العنقوديات أو الـ«إيكو سيستم» باللغة الإنجليزية، وهى المنظومة المحيطة بهذه الصناعة، والروابط الأمامية والخلفية والمساندة.
■ ماذا تعنى بذلك؟
– هذه الـ3 أنواع من الروابط، حين يتم إسقاطها على مثال الصناعات الخاصة بالملابس الجاهزة كصناعة تنافسية واعدة لمصر، كما جاء فى السردية، لكن قد لا تتحقق ميزة تنافسية إلا من خلال الإفصاح عن الشكل النهائى للصناعة، فبالنسبة لصناعات الملابس الجاهزة، نجد الروابط الخلفية تتمثل فى مصانع النسيج، موردى الإكسسوارات، صناعة الخيوط، الكيماويات والصباغة، التغليف، قطع غيار الآلات، خدمات الصيانة، إذًا كل هذه روابط خلفية، أما الروابط الأمامية فتتمثل فى شركات بيوت التصدير، واللوجستيات، والمخازن والتوزيع، والجملة والتجزئة، أما روابط النوع الثالث- الروابط المساندة- مثل التصميم- الفاشون ديزاين- معاهد التدريب وتطوير المهارات، البحوث، والتطوير فى مجال ابتكار مواد للملابس مستدامة بمفهوم البيئة، التمويل، والتأمين، ولدينا أمثلة عديدة منها مدينة «دكا» فى بنجلاديش والتى تعد من كبار مصدرى الملابس الجاهزة فى العالم.
■ لك وجهة نظر فى كل ما يتعلق بالتنمية الزراعية فى السردية؟
– التنمية الزراعية تستحوذ على جزء «بسيط» داخل الفصل الثالث الخاص بالتنمية الصناعية، بينما كان يجب أن يكون لها فصل منفرد لأن لها أهمية بالغة لمصر لأنها تتصل بنصف سكان مصر تقريبًا، وتشمل العديد من الركائز، ويجب أن يناقش الفصل المقترح كيفية تحقيق الأمن الغذائى، كيفية رفع مستوى دخل أهل الريف، كيفية تحفيز الصناعات الغذائية فى الأقاليم لأن هناك حديثا عن الصناعات الغذائية.
كما يجب أن يناقش تحديد الإنتاجيه المستهدفة للمحاصيل الرئيسية، وتحديد سلاسل القيمة فى الداخل والخارج، والسردية تتحدث عن التكنولوجيا الجديدة، إذًا كيف نتحول إلى الزراعة الذكية وبالتالى تدريب الفلاحين على هذا النوع من الزراعة، كذلك أين دور مراكز الأبحاث الزراعية والإرشاد الزراعى فى مصر والتى تتمتع بتاريخ حافل؟، والتعامل مع المقننات المائية، لدينا نقطة محورية وهى موضوع العجز المائى، كيف ستكون العلاقة بين الزراعة والرى؟.
■ يحسب للسردية إيلاء عناية واضحة لسوق العمل وكفاءته، فكيف قرأتَ ذلك؟
– عند النظر إلى الفصل الرابع الخاص بالتشغيل وسوق العمل، نجد كثرة من التوصيات وهى أكثر منها برنامجا، فمثلا تؤكد ضرورة تحديث سياسة الأجور.. كيف؟. هناك أمثله فى العالم فى سياسات الأجور مثل سنغافورة وفى دول جنوب شرق آسيا وأمثلة كثيره جدًا.
وفى مقطع آخر فى الفصل، تشير الحكومة إلى أنها تعمل حاليا على إعداد الاستراتيجية الوطنية للتشغيل، وأن ذلك بحلول يونيو 2026، وفى أماكن أخرى توضح أن الاستراتيجية تسعى إلى وضع برامج محددة لدمج الاقتصاد غير الرسمى وأنه بحلول يوليو 2027، يتم الانتهاء من الاستراتيجية الوطنية المتكاملة لإضفاء الطابع الرسمى على الاقتصاد غير الرسمى، إذًا هناك توصيات وهناك استراتيجيات مؤجلة وهذا يعنى أن السردية لا تتعامل مع هذا الملف.
وفى الجزء الذى يشير إلى برنامج محدد للاقتصاد غير الرسمى، تظهر مستهدفات 2030 المذكورة فى السردية بخصوص العمالة غير الرسمية بأجر من إجمالى القوى العاملة أنها سوف تصبح 44٪، بينما تبلغ حاليًا 50٪، إذًا السردية تقول إن هناك تعاملا مع العمالة غير الرسمية، وتشير إلى وضع استراتيجية لها فى يوليو 2027 ثم نجد فى مستهدفات 2030 أن هذه العمالة غير الرسمية بأجر من إجمالى القوى العاملة تمثل 44٪ من القوى العاملة وهو أمر يتسم بالغرابة.
■ أشرت سابقا إلى أثر الثورتين الصناعيتين على سوق العمل؟
– السردية تتحدث عن التحول التكنولوجى وغير ذلك، لكن هناك نقطة مهمة، وهى أن الثورة الصناعية الرابعة والخامسة، وأضيف إليها الذكاء الاصطناعى، سوف تزيد من القيمة المضافة ومن التنافسية، وسوف تخفض التكاليف، والسردية تؤكد هذا، ولكن فى حقيقه الأمر هى تقلص الوظائف والتشغيل وهذا تحد يتحدث عنه العالم، وهو البطالة التكنولوجية، ماذا سنفعل فى البطالة التكنولوجية؟ ما هو تأثير التحول التكنولوجى من أجل القيمة المضافة والتنافسية وتخفيض التكاليف على العمالة؟.
هذه معضلة يتحدث عنها العالم ولا تتعامل معها السردية بالشكل المطلوب.
نقطة أخرى، هى مضاعف التشغيل المستخدم فى القطاعات المختلفة، تناقض مع مضاعف التشغيل المذكور فى السردية، إذ كان يصلح مع الثورات الصناعية السابقة، ولكن ليس مع الرابعة والخامسة والتكنولوجيات الجديدة.
مضاعف التشغيل الذى استخدم فى السردية هو الذى استخدم فى الثورة الصناعية الأولى، والثانية، والثالثة، وليس فى الرابعة أو الخامسة، لأنه بالعكس هناك تقلص، وليس مضاعفا للتشغيل كما هو مذكور فى السردية وبالتالى موضوع البطالة التكنولوجية لم يأخذ حقه فى هذه السردية.
■ وماذا عن جوهر أزماتنا أى «الجهاز الإدارى»؟
– بالنسبة لإصلاح الجهاز الإدارى للدولة، اكتفت السردية بالتأكيد على أن جوهر الإصلاح الهيكلى يتمثل فى تحسين كفاءة الجهاز الإدارى للدولة، وأشارت فى مقطع آخر إلى أن نجاح هذا التحول يتطلب تنسيقا مؤسسيا عالى الكفاءة.
ثم أشارت فى استحياء، فى مقطع ثالث، إلى أن الإصلاح المؤسسى والرقمنة فى الإدارة المحلية فى يوليو 2027، ولكن ألم يكن من الضرورى أن تحتوى السردية على فصل مخصص عن استراتيجية وخطة إصلاح الجهاز الادارى للدولة. كما يجب ألا نكتفى بالجزء الخاص بالتنمية الإقليمية لأنه فى غالبية فحواه يتحدث عن المشروعات أو بعض السياسات، لكن لا يتحدث عن اللامركزية بالشكل التفصيلى أو كيفية إصلاح الجهاز الإدارى للدولة وخاصة أنه يتوفر لنا كم هائل من الدراسات السابقة بهذا الخصوص.
■ طالبت بأن يكون عنوان السردية «التنمية الاقتصادية والاجتماعية».. ماذا يعنى ذلك؟
– الجزء الخاص بالعدالة الاجتماعية تقول السردية فيه إن مصر من ذات الدخل المتوسط؛ لكن فى الحقيقة مصر كانت من ذات الدخل المتوسط، ولكن بعد تعديل سعر الصرف فى العام الماضى، أصبحت مصر فى الدخل المتوسط الأدنى، وهذا بعد انخفاض سعر الصرف، وتشير التقارير الدولية إلى فجوة كبيرة جدا فى الدخل والثروة فى مصر خلال العقود الماضية، فكيف سيتم علاج ذلك من خلال ما ذكرته السردية بجودة النمو والشمول؟، والشمول يعنى أنه يشمل كافة المواطنين أى التوزيع العادل لثمار النمو.
أيضا فالسردية فى هذا الجزء تشير إلى أنها قائمة على رؤية 2030، وأهم ركيزة فى رؤية 2030 هى العدالة الاجتماعية وجودة النمو، ورؤية 2030 شرحت الجزء الخاص بتوزيع الثروة، وعدالة توزيع الدخل، فكيف يمكن بعد ذلك أن نمر مرور الكرام على العدالة الاجتماعية وفكرة النمو الشامل، لكن تشير السردية إلى أنه بحلول يونيو 2026 يتم إطلاق الأعمال التحضيرية لأجل المسح الشامل لدخل وإنفاق الأسر بما يشمل التقديرات المحدثة لمعدلات الفقر، لكن هناك تقارير، وهناك جوانب يمكن البناء عليها، فالسردية أسهبت فى الحديث عن الحماية الاجتماعية، وهذا مطلوب بالفعل، ولكن لا يعنى ذلك- إطلاقا- أن تغنى الحماية الاجتماعية عن العدالة الاجتماعية، أنا على يقين أنه يجب أن تكون هناك برامج مثل كرامة، ولكن لا يجب أن نعتمد على فكر صندوق النقد الذى يستبدل الحماية الاجتماعية بالعدالة الاجتماعية، وذلك لأن الجمهور يبحث عن العدل.
■ وكيف يتم التحول عن نهج الحماية إلى تحقيق العدالة؟
– الإجابة أنه من خلال استراتيجيات الحكومات والتعلم من خبرات الدول فى كيفية توسيع الطبقة الوسطى فى المجتمع، وهذا الأمر يعد مقياسًا لنجاح مؤشرات الحكومات.
توسيع الطبقة الوسطى يتم من خلال ارتفاع محدودى الدخل والفقراء على السلم الاجتماعى، لينضموا للطبقة الوسطى، فمع وصول الطبقة الوسطى فى بلد ما إلى ما بين 75 و85٪، يعد ذلك نجاحًا اقتصاديًا قويًا، بينما فى 2016 قدر الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء أن الطبقة الوسطى فى مصر تمثل 35٪ وهذا معدل مخيف، وتغطى البطاقات التموينية حاليًا 60 مليون مواطن، وتتحدث الحكومه عن معدلات فقر يبلغ 30٪ من الشعب، وذلك كله يشير إلى مدى تقلص الطبقه الوسطى.
إذًا الحديث عن العدالة الاجتماعية يتضمن توسيع قاعدة الطبقة الوسطى بل الارتفاع بمستوى معيشة الطبقة الوسطى أيضًا. الطبقة الوسطى هى قلب المجتمع لأنه اقتصاديا يتم الاستهلاك من خلال الطبقة الوسطى، رواد الأعمال من أبناء الطبقة الوسطى، المهندسون والأطباء يخرجون من الطبقة الوسطى، والمصريون فى الخارج أيضًا هم من الطبقة الوسطى، وهؤلاء أصحاب أكبر دخل بالعملة الصعبة فى مصر.
الطبقة الوسطى ليست فقط من الوجهة الإنسانية والمجتمعية، بل من الوجهة الاقتصادية والتنمية الاقتصادية، لأن نجاح أى حكومة يتم بتوسيع الطبقة الوسطى ورفع مستوى معيشتها وذاك جانب مهم جدا فيما يسمى العدالة الاجتماعية.
■ البعض أشار أيضا إلى أن مشكلة الدين لا تزال باقية بقوة حتى مع السيناريو الأفضل فى السردية.. فكيف نواجه ذلك؟
– يجب أن يكون تخفيض الدين الخارجى من الدين العام أولا هدفا استراتيجيا ورئيسيا للحكومة، نتيجة تداعياته على سعر الصرف، على مستوى الأسعار، وعلى مستوى معيشة المصريين.
وهذا سبب معاناة مصر على امتداد عقود، فكيف يترك ذلك دون خطة واضحة المعالم ومستهدفات كمية وليس فقط القول بـ80٪ من الناتج المحلى، ليس مهمًا أن يكون 80٪، لأن هناك دولا مثل اليابان يتخطى حجم الدين لديها 100٪، ولكن لديها قدرة على السداد نتيجة صادرات وغير ذلك من تدفقات النقد الأجنبى، وقوة الصناعة الوطنية فيها، فهى قادرة على السداد، وعلى النقيض، هناك دول لديها 50٪ ديونا من الناتج الإجمالى وغير قادرة على السداد.
إذًا القول بأنها نسبة من الناتج المحلى لا يدل على شىء بالمرة، والسردية تشير فى هذا الصدد إلى تنفيذ استراتيجية متكاملة لتخفيض الدين العام وأعباء خدمته وإلى تقليص عبء الدين والمخاطر المرتبطة به من خلال استراتيجية منضبطة وشفافة وتركز على الاستدامة.. ما الجديد فى هذا؟.
جزء آخر يقول إن وزارة المالية وبحلول يونيو 2026، تقوم بتحديث ونشر استراتيجية إدارة الدين متوسطة الأجل. وفى جزء ثالث يتم سرد ديون العالم وعلى الأخص فى الدول النامية، دون التطرق لحالات بعينها، وكأن هذا السرد الطويل تبرير لوضعية معالجة الدين الخارجى فى مصر.
■ ماذا يتطلب ذلك؟
كل هذا يتطلب أن ننظر إلى الأمر بشكل غير تقليدى، وأنا قلت مرارا وتكرارا إنه يجب التفاوض على الدين الخارجى، نتيجة عدة موضوعات، على رأسها أزمة غزة، ومن قبلها كورونا، والحرب الأوكرانية، ثم أزمة البحر الأحمر والحوثيين، وانخفاض تدفقات قناة السويس 9 مليارات دولار، وسط ظروف اضطرارية تضرب المنطقة بأكملها، فضلًا عن اللاجئين وهم نحو 10 ملايين نسمة، إذًا هل تستحق مصر مقابل كل هذا أن تفاوض على الديون الخارجية، كما فعلنا ذلك بعد حرب الخليج وقمنا بخفض الديون لسنة 1991- 1995 من 50 مليار دولار إلى النصف، 25 مليارا، وأنا أدعى أنه لا يمكن أن يستقيم الوضع الاقتصادى ويبقى سعر الصرف بشكل مستقر دون تخفيض الدين المحلى البالغ حاليًا نحو 155 مليار دولار إلى النصف من هذا الرقم، من خلال التفاوض مع نادى باريس بالنسبة للدول، والتفاوض مع نادى لندن بالنسبة للمؤسسات المالية، إلى جانب استخدام سندات برادى، التى تم العمل بها منذ 1989، وهى منسوبة إلى وزير الخزانة الأمريكى، نيكولاس فريدريك برادى، بغرض توفير آلية لإعادة هيكلة ديون الأسواق الصاعدة، واستفادت منها 40 دولة حول العالم فى تأجيل ديونها على 30 سنة بفوائد ضئيلة جدا.
أيضا مبادلة الديون مقابل تنفيذ برامج تنموية، كما وجدنا مؤخرا السلفادور مع إسبانيا، وإندونيسيا مع ألمانيا، أيضا هناك مبادلة الديون مقابل المناخ، من خلال إقامة مشروعات خضراء بالعملة المحلية، كما ذكر فى السردية وخفض الدين بما يوازيها.
أيضا، لدينا اتفاقات مع ألمانيا بشأن الهجرة غير الشرعية، والعمالة الناتجة عن الهجرة الشرعية، وألمانيا تحتاج إلى ذلك، وربما يتم تدريبهم فى مصر، وكل ذلك يستحق أن ينتج عنه مبادلات للديون.
■ ماذا عن الملاحظات العامة؟
– كافة الدول تدمج الاستراتيجية الوطنية للذكاء الاصطناعى، وأنا هنا لا أتحدث عن الاستراتيجية الوطنية للذكاء الاصطناعى فقط كتكنولوجيا ولكن كاقتصاد وكمجتمع؛ كافة الدول بما فيها ماليزيا وغيرها من الدول التى اطلعت على استراتيجياتها، بما فيها دول عربية تضعها فى استراتيجياتها التنموية وليس كجزء وضع فقط لوزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات.
الاستراتيجية الوطنية للذكاء الاصطناعى أصبحت جزءا أساسيا، كما نرى فى أمريكا والصين، ولا يكفى الحديث عن كيف تدمج هذه الاستراتيجية مجتمعيا واقتصاديا ولا يقتصر الحديث على التكنولوجيا.
إن إشكالية المناخ بالنسبة للمدن الساحلية، فالتقارير الدولية التى أمامنا، وتقارير البنك الدولى، تشير إلى أنه بحلول 2050 هناك مليار نسمة ستضطر إلى النزوح من أماكنها نتيجة المناخ. نحن لدينا مدن ساحلية ممتدة، مثل الساحل الشمالى، الإسكندرية، رشيد، دمياط، وبورسعيد، كل هذه تعد مدنًا ساحلية فكيف لا يتم التعامل مع هذه النقطة التى يتحدث عنها العالم كله، وخصوصا أن السردية تتحدث عن المستقبل ولا تناقش الماضى.
إنه رغم كل ما قيل فى السردية عن أهمية الثورة الصناعية الجديدة، والتى من المفترض وحسب السردية أن تكون أساس النمو والتنمية والتشغيل، فالمستهدفات الموجودة فى الجزء الأخير من السردية متواضعة جدا وأحيانا أقل من المستهدف فى رؤية 2030، التى انبنت عليها السردية من الأساس.
وهنا أشير إلى أن رؤية 2030 رؤية مؤسسية توافقت عليها الدولة المصرية ورئيس الدولة، وطرحت فى مؤتمرات عديدة على المتخصصين وعلى الشعب المصرى وعلى مؤتمرات الشباب إذًا لها وضع مقنن.
معلوم أن بعض المستهدفات أكثر قليلًا، مثلا فى مستهدفات الناتج الإجمالى فى 2030 يصبح 7٪ وهو أكثر طموحا من برنامج الحكومة 2030 البالغ 6.5٪.
■ ما تعليقك على معدلات النمو المستهدفة؟
نصيب الفرد من الناتج يصبح 5.5٪ وهو أكثر طموحا من برنامج الحكومة البالغ 5٪ فى 2030 ولكن هل معدل الـ7٪ كناتج إجمالى، بكل ما تتحدث عنه السردية من ثورة تكنولوجية فى الزراعة والصناعة والتنمية الصناعية، يعنى الصين ودول جنوب شرق آسيا وفيتنام وكل هذه الدول التى أحرزت تقدما، حينما أرادت إحداث نهضة حقيقية اقتصادية تكنولوجية علمية اجتماعية شاملة، ما الذى فعلته فى الناتج الإجمالى لجعله يقفز؟.
كانت تعمل وفق مصطلح «دابل ديجيت» وهو المعدل من رقمين، مثل 12٪ و13٪ وليس هذا التواضع الشديد، ولا يجب أن يكون بعد هذا المجهود الكبير، طموح المرحلة متواضعً بهذا الحد، ولا تعد هذه هى القفزة المصرية الحقيقية المطلوبة بكل هذا الحديث عن التكنولوجيا وغيرها.
■ ماذا عن مجالات التعاون فى التحالفات الدولية فى رأيك؟
فى مجال التحالفات الدولية ومجالات التعاون، يجب التحدث عن سلاسل الإمداد الحيوية مثل المعادن المهمة، أشباه الموصلات، أطر التعاون التكنولوجى فى الذكاء الاصطناعى، فى التكنولوجيا المتقدمة، وهذا غير محدد بشكل جيد فى السردية.
وأشارت السردية إلى مؤشر لمتابعة المستهدفات لكن هناك كثير من المستهدفات تركت بدون تحديد، وهذا كان يجب أن يتم بشكل آخر، على سبيل المثال فى السياحة، ترك عدد السائحين فى 2030 إلى كم الفنادق التى ستنشأ، وهناك مستهدفات كثيرة جاءت غير كمية أو إنشائية فى شكلها.






