حين يقف المرء على حافة ذاته ويعلن بدء السباق الأكبر
بقلم/نشأت البسيوني
في مجرة مزدحمة بالوجوه تعبرها الأرواح كما يعبر الغيم سماء الخريف يقف الإنسان فجأة في نقطة لا يسبقه إليها أحد نقطة تشبه وقوف القائد قبل بدء معركته الأخيرة هناك في تلك اللحظة التي يختلط فيها الخوف بالشجاعة يبدأ النداء الخفي يعلو من داخله
هل من منافس
لكن السؤال ليس موجها للعالم بل موجه لعمق لا يراه سواه للطبقات الدفينة من ذاته للظل الذي يسير خلفه منذ بدء الحكاية ذلك الظل الذي يعرفه أكثر مما يعرف نفسه
يا صديقي ليست أعظم المعارك تلك التي نخوضها ضد البشر بل تلك التي نخوضها ضد ما كنا عليه
ضد خوف جثم على صدرك يوما
ضد ذكرى حاولت أن تقيد خطواتك
ضد خيبة سكنت عروقك حتى ظننت أنها جزء منك
ضد سقوط ظنه الناس نهاية وكان بداية
هذه هي المنافسة الوحيدة التي تصنع الرجال التي تخلق في الروح صلابة لا تصنع على أيدي البشر بل تصنع في ليل طويل لم يحضر منه أحد
تخيل ذلك الإنسان الذي يقف أمام المرآة لا ليرى وجهه بل ليرى الندوب التي خلفتها الأيام
يرى الخذلان وقد تحول إلى حكمة
يرى القلب وقد صار أقوى مما كان
يرى الانكسار الذي منحه قدرة النهوض ألف مرة
ويرى ذلك السؤال الذي لا يزال يطرق أبواب روحه
هل من منافس
وحين يعجز الجميع عن أن يكونوا منافسين تصبح الذات هي الميدان
إن أقسى ما يمكن للإنسان أن يواجهه هو نفسه حين تصير مرآة تكشف ضعفه
وإن أجمل ما قد يبلغه هو نفسه حين تصير سيفا يقاتل به
في داخل كل روح معركة تدار في صمت لا تنقلها شاشات ولا تسجلها الصحف ولا يعلم بها أحد لكنها وحدها التي تحدد مصير صاحبه
هذه المعركة هي ما يصنع القمم وهي التي تجعل خطوة واحدة منك تعادل سنوات من الركض عند غيرك
يا من تسأل هل من منافس
العالم ليس ميدانك أنت ميدانك
والناس ليسوا خصومك أنت خصمك
والماضي ليس سجنك بل هو محطتك التي تجاوزتها رغم الألم
وكل الليالي التي بكيت فيها كل الأبواب التي أغلقت في وجهك كل الطرق التي تاهت منك كانت تصنع في داخلك قوة تليق بالسباق الأكبر وحين تقف
في النهاية فوق قمة لم يصل إليها أحد ستعرف الحقيقة التي طالما تهربت منها
أنك لم تكن تبحث عن منافس
كنت تبحث عن نسخة أقوى منك نسخة تجبر الزمن على احترامك وتجبر العالم على الوقوف صامتا أمام صعودك
حينها فقط سترفع رأسك وتنظر إلى الطريق الطويل الذي قطعته وحدك وتقول بكل ثبات
ها أنا ذا ولم يبق من المنافسة إلا أنا وظلي
