الفطرة الربانية في حب الوطن

بقلم / محمـــد الدكـــروري
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام علي رسول الله صلي الله عليه وسلم، فهو صلي الله عليه وسلم الذي يقول في الحديث الذي رواه مسلم عن عياض بن حمار رضي الله عنه ” إن الله أوحى إليّ أن تواضعوا” فيكون هو التواضع كله صورة ماثلة ومشهدا حيا وحقيقة قائمة، يركب الحمار، ويخصف النعل، ويجلس على التراب، ويحلب الشاة، ويقف مع العجوز، ويذهب مع الجارية، ويخالط المساكين، ويضيف الأعراب، ويجالس الفقراء صلي الله عليه وسلم، ويقول “خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي” فيتمثل فيه صلي الله عليه وسلم هذا الحديث أعظم تمثيل، فإذا الرحيم الودود بأهله يدخل عليهم ضحّاكا بسّاما، يداعبهم بأرق العبارات ويلاطفهم بأحسن التعامل، يشاركهم الخدمة ويجاذبهم أحلى الحديث.
ويبادلهم أجمل السمر بلا فظاظة ولا غلظة ولا لوم ولا تعنيف، ويقول صلي الله عليه وسلم ” لا تحاسدوا” ثم يكون المعافى من هذا الداء القاتل، فليس في كيانه ذرة من حسد، أو قطرة من حقد، صانه الله من ذلك، بل هو الذي وزع الخير على العالم وقسم الفضل من الله على الناس، ويقول صلي الله عليه وسلم ” ولا تدابروا، ولا تقاطعوا” ثم يترجم هذا الخلق النبيل من الصلة والبر والإحسان، فيصل من قطعه ويعفو عمن ظلمه ويعطي من حرمه، فأعظم عبد صحّت فيه آية ” والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس” فينهى صلي الله عليه وسلم عن الغضب ويقول “لا تغضب” ويكون أبعد الناس عن أسباب الغضب المشين دوافعه، بل وسع الناس حلما وأمطرهم كرما وأوسعهم عفوا وصفحا صلي الله عليه وسلم.
فاللهم صلي وسلم وبارك عليك يا سيدي يا رسول الله أما بعد لقد كان من كرم النبي صلى الله عليه وسلم أنه جاءه رجل يطلب البردة التي هي عليه فأعطاه إياها، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصبر على الأذى فيما يتعلق بحق نفسه وأما إذا كان لله تعالى فإنه يمتثل فيه أمر الله من الشدة وهذه الشدة مع الكفار والمنتهكين لحدود الله خير رادع لهم وفيها تحقيق للأمن والأمان، ومن صبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه عندما اشتد الأذى به جاءه ملك الجبال يقول يا محمد إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين، فقال النبي صلى الله عليه وسلم ” بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا” والأخشبان هما جبلا مكة أبو قبيس وقعيقعان، فأين هؤلاء الذين يدعون حب الوطن والوطنية ولا ترى في أعمالهم وسلوكياتهم وكلامهم غير الخيانة.
والعبث بمقدراته، والعمالة لأعدائه، وتأجيج الفتن والصراعات بين أبنائه، ونشر الرذيلة ومحاربة الفضيلة أين الوفاء للأرض التي عاشوا فيها وأكلوا من خيراتها، وترعرعوا في رباها، واستظلوا تحت سماها، وكانت أرض الإيمان والتوحيد والعقيدة الصافية، وإذا كان حب الوطن فطرة، فإن التعبير عنه اكتساب، وتعلم، ومهارة، فهل قدمنا لأطفالنا من المعارف ما ينمّي لديهم القدرة على الإفصاح عمليا عن حبهم لوطنهم؟ وهل علمناهم أن حب الوطن يقتضي ان يبادروا إلى تقديم مصلحته على مصالحهم الخاصة؟ فلا يترددوا في التبرع بشيء من مالهم من أجل مشروع يخدم مصلحته، أو أن يسهموا بشيء من وقتهم، او جهدهم، من أجل إنجاز مشروع ينتفع به.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *