حين يتكلم الصمت

بقلم/نشأت البسيوني
في أحيان كثيرة لا يكون الصمت غيابا للكلمات بل حضورا أكبر من كل ضجيج
إنه اللغة التي تتحدث بها الأرواح حين تعجز الألسنة والملاذ الذي يختبئ فيه الوجع ليتطهر من صخبه والمرآة التي يرى فيها القلب ما لا يراه أحد
حين يتكلم الصمت يمر أمامك شريط الحياة في هدوء عميق كأن كل ما فات يعود في لحظة واحدة ليذكرك أن الصخب لم يكن سوى غطاء هش لقلق دفين ترى الوجوه التي ابتسمت يوما وغابت تسمع الأصوات التي لم تعد تأتي وتشعر أن كل شيء ترك فيك أثرا لا يمحى
الصمت ليس دائما راحة أحيانا يكون سجنا واسعا تقيدك فيه مخاوفك وأسئلتك وأحيانا يكون حضنا دافئا يحتويك حين يبرد كل شيء حولك هو امتحان النفس أمام نفسها ومواجهة الحقيقة بلا أقنعة ولا أعذار
في الصمت تتجرد الأرواح من الزيف وتتعلم أن أكثر ما يؤلمنا ليس ما يقال بل ما لم يقل وما ظل حبيس الحناجر حتى اختنق فينا
وللصمت وجوه كثيرة وجه الحكمة حين تختار أن تصمت لأنك أدركت أن الرد لا يجدي ووجه الوجع حين تلوذ به لأنك لم تعد قادرا على البوح ووجه الكبرياء حين تختار أن تحتفظ بكرامتك بدل أن تبرر ضعفك
هو ليس ضعفا كما يظن البعض بل لغة الأقوياء الذين اكتفوا بالفهم دون جدال وبالإحساس دون شرح
وفي زمن يعلو فيه الضجيج فوق المعنى يصبح الصمت فعلا من أفعال الوعي أن تصمت يعني أن تختار ألا تكون جزءا من الفوضى أن تنصت للعالم بعين أخرى أن تمنح نفسك حق السكون في عالم يلهث خلف اللاشيء
حين يتكلم الصمت تعاد كتابة الحكاية من جديد
بلا حروف بلا أصوات لكن بنبض يعرفه من جرب السكون بعد عاصفة ومن تذوق مرارة الفقد ثم وجد في الصمت عزاء لا يشبه شيئا
إننا نحتاج أحيانا إلى صمت طويل كي نسمع ما تخفيه أرواحنا عنا
فليتكلم الصمت متى شاء ففي كلامه صدق لا يقال وفي سكونه شفاء لا يوصف
قد تكون صورة بالأبيض والأسود لـ ‏‏أفق‏ و‏شفق‏‏
عرض الرؤى
معدل وصول المنشور: ٥
كل التفاعلات:

١

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *