وحدة المصير قبل وحدة القرار العرب ومستقبل التعاون الاقتصادي

بقلم/ رامي السيد
تمر الأمة العربية بمرحلة دقيقة من تاريخها تتشابك فيها الأزمات الاقتصادية مع التحولات السياسية والمتغيرات الدولية المتسارعة لتفرض واقعا جديدا يؤكد أن وحدة المصير العربي أصبحت حقيقة لا يمكن إنكارها حتى وإن غابت وحدة القرار فالأحداث أثبتت أن ما يصيب دولة عربية من أزمات اقتصادية أو أمنية لا يلبث أن تمتد آثاره إلى بقية الدول في عالم باتت فيه المصالح مترابطة والحدود الاقتصادية شبه مفتوحة
لقد آن الأوان للاعتراف بأن التعاون الاقتصادي العربي لم يعد خيارا تكميليا بل ضرورة وجودية تفرضها طبيعة المرحلة فالدول العربية مجتمعة تمتلك من الثروات الطبيعية والطاقات البشرية والمواقع الجغرافية ما يؤهلها لتشكيل قوة اقتصادية إقليمية فاعلة قادرة على حماية مصالحها وتحقيق تنمية مستدامة لشعوبها غير أن هذا الإمكان ظل معطلا بفعل الخلافات السياسية وتباين الأولويات وغياب الرؤية المشتركة
إن وحدة المصير العربي تسبق وحدة القرار وتفرض نفسها على الجميع مهما اختلفت السياسات أو تبدلت التحالفات فالأمن الغذائي، وأمن الطاقة، واستقرار العملات، وتحديات البطالة والفقر قضايا عابرة للحدود لا يمكن لأي دولة عربية مواجهتها منفردة ومن هنا يصبح التعاون الاقتصادي هو المدخل الواقعي لإعادة بناء الثقة وتهيئة المناخ لوحدة القرار مستقبلا
التجارب الدولية أثبتت أن التكامل الاقتصادي كان دائما الخطوة الأولى نحو التكتلات السياسية الكبرى والاتحاد الأوروبي مثال واضح على أن المصالح الاقتصادية المشتركة قادرة على تجاوز خلافات التاريخ وصناعة واقع جديد قائم على الشراكة لا الصراع. فهل يتعلم العرب من دروس الآخرين، أم يظل مشروع التعاون الاقتصادي أسير الحذر والتردد؟
إن مستقبل التعاون الاقتصادي العربي يتطلب إرادة سياسية واعية تنتقل من منطق المجاملات إلى منطق المصالح المشتركة ومن رد الفعل إلى التخطيط الاستراتيجي طويل المدى كما يتطلب تفعيل الاتفاقيات الموقعة وتطوير مؤسسات العمل العربي المشترك وتسهيل حركة التجارة والاستثمار وإزالة العوائق التي تعرقل التكامل بين الاقتصادات العربية
ولا يمكن إغفال الدور المحوري للإعلام العربي في هذه المرحلة كونه شريكا في صناعة الوعي ومسؤولا عن ترسيخ ثقافة التعاون بدلا من تكريس الخلاف فالإعلام الواعي قادر على تسليط الضوء على الفرص الضائعة ودفع صناع القرار نحو تبني سياسات أكثر جرأة وانفتاحا على العمل المشترك
يبقى الرهان الحقيقي على إدراك العرب أن وحدة المصير ليست شعارا يرفع بل واقعا يعاش وأن مستقبل التعاون الاقتصادي العربي مرهون بقدرتنا على تحويل هذا الإدراك إلى سياسات عملية تضع مصلحة الأمة فوق الحسابات الضيقة وتؤسس لمرحلة جديدة يكون فيها الاقتصاد جسر العبور نحو وحدة القرار لا عقبة في طريقه

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *