الذين يتقنون الاختفاء وهم حاضرون

بقلم/نشأت البسيونى
هناك اناس يعيشون بيننا كل يوم نراهم نكلمهم نضحك معهم لكنهم في الحقيقة متقنون لفن الاختفاء لا يختفون بالجسد بل يختفون بالروح يحضرون في المكان ويغيبون عن اللحظة يشاركون في الحديث لكنهم لا يقولون ما يشعرون به فعلا يبتسمون لان الابتسامة مطلوبة لا لان القلب بخير هؤلاء تعلموا مبكرا ان الظهور الكامل مخاطرة وان كشف الداخل قد يكلفهم اكثر مما يحتملون
فاختاروا ان يتركوا جزءا منهم خارج المشهد جزءا صامتا يراقب من بعيد جزءا لا يثق بسهولة ولا يندفع ولا يسمح لنفسه بالانكسار مرة اخرى مع الوقت صار هذا الجزء هو المسيطر وصار الاختفاء اسلوب حياة يتقنون القيام بالواجبات ينجزون ما عليهم في العمل والعلاقات والحياة اليومية لكنهم يفعلون ذلك بلا اتصال حقيقي بأنفسهم يتحركون وفق ما هو متوقع لا وفق ما هو صادق معهم
يخشون الاسئلة العميقة لانها تقترب من المنطقة التي اخفوها يخشون اللحظات التي تتطلب حضورا كاملا لان الحضور الكامل يعني ان يكونوا مرئيين بكل ضعفهم قد يبدون اقوياء ومتزنين بل وقد يحسدهم البعض على هدوئهم وثباتهم لكن هذا الهدوء ليس راحة بل درع والثبات ليس سلاما بل تجنب هم لا ينهارون امام الناس لكنهم يتعبون وحدهم لا يطلبون المساعدة لانهم اعتادوا ان
يعتمدوا على الاختفاء كوسيلة للبقاء مع الوقت يدفعون ثمنا لا يلاحظونه فورا يفقدون قدرتهم على الفرح الكامل وعلى الحزن الكامل كل شيء يصبح متوسطا قابل للتحمل بلا قمة ولا قاع يظنون انهم حموا انفسهم من الوجع لكنهم في الحقيقة حرموا انفسهم من المعنى لان المعنى لا يولد الا في منطقة الانكشاف
وفي لحظات نادرة حين يختلون بأنفسهم يشعرون بثقل غامض
كانهم يحملون حياة لم تعش واسئلة لم تجب وخيارات لم تتخذ يدركون انهم لم يضيعوا لانهم فشلوا بل لانهم اختفوا قبل ان يحاولوا الخروج من هذا الاختفاء ليس سهلا فهو يعني التخلي عن درع اعتادوا عليه ويعني المجازفة بالظهور بكل ما فيهم من خوف وتردد لكنه الطريق الوحيد لاستعادة الشعور بالحياة لان الانسان لا يعيش وهو نصف حاضر ونصف غائب وحين يقرر احدهم ان يظهر
حقا لا يحدث الامر بضجيج بل بخطوات صغيرة بصدق بسيط بقدرة على قول هذا انا دون تبرير او اعتذار عندها فقط يدرك ان الاختفاء كان حماية مؤقتة لكن الحضور هو النجاة الحقيقية وان الحياة لا تطلب منا ان نكون بلا ضعف بل تطلب فقط ان نكون موجودين حقا

عرض الرؤى
معدل وصول المنشور: ٣
كل التفاعلات:
١





