الإجتهاد والأخذ بالأسباب

بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله رب العالمين الأول والأخر والظاهر والباطن وهو بكل شي عليم واشهد ان لا اله إلا الله وحده لا شريك له واشهد أن محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى اله وصحبه وسلم، أما بعد إن المسلم الحق الذي يحيا الحياة الحقيقة التي ذكرها رب العزة جل في علاه تعالى، فالمؤمن في هذه الحياة سائر في طريق، وهذا الطريق له مقصود وغاية، وهو طاعة ذي الجلال ورضا الكبير المتعال، متحققا ومتيقنا بأنه عبد لله تبارك وتعالى، وأن واجبه في هذه الحياة تحقيق العبودية لله عز وجل، فهو يسير في هذه الحياة ليعرف ربه، والطريق الموصلة إلى الحق سبحانه لیست مما يقطع بالأقدام، وإنما يُقطع بالقلوب، والله رب العالمين قد حذرنا من عقوبة عدم الاستجابة لأمره ولأمر رسوله صلى الله عليه وسلم.
أن يحول بينه وبين هذا القلب أي أن الله تعالى يحجز بين العبد وقلبه إذا شاء، فلا يستطيع المرء أن يدرك ويعي به شيئا من حق أو باطل، إلا بإذن الله تعالى، فقلوبكم بيد خالقكم سبحانه، يصرفها ويقلبها كيف يشاء يصرفها من الهدى إلى الضلالة، ومن الضلالة إلى الهدى، فإياكم أن تردوا أمر الله حين يأتيكم، أو تتثاقلوا وتتباطؤوا عن الاستجابة له، فلا تأمنوا حينها أن يحال بينكم وبين قلوبكم، فلا تقدروا على الاستجابة بعد ذلك إذا أردتموها، وبيّن الله سبحانه أن مخالفة أوامره قد تودي بالمرء أن يرتد عن دينه، أعاذنا الله وإياكم، وقال الإمام أحمد رحمه الله أتدري ما الفتنة؟ الفتنة هي الشرك، لعله إذا رد بعض قوله، أن يقع في قلبه شيء من الزيغ فيهلك، فمخالفة أمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم.
قد تجر المرء إلى الكفر بالله، وعدم الاستجابة لله والرسول صلى الله عليه وسلم سبب في ضيق العيش، وقال ابن كثير رحمه الله في قول اللع تعالي ” ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا” أي خالف أمري، وما أنزلته على رسولي، فإن له معيشة ضنكا في الدنيا، فلا طمأنينة له، ولا انشراح لصدره، بل صدره ضيق حرج لضلاله، وإن تنعم ظاهره، ولبس ما شاء وأكل ما شاء، وسكن حيث شاء، فإن قلبه ما لم يخلص إلى اليقين والهدى، فهو في قلق وحيرة وشك، فلا يزال في ريبة يتردد، فهذا من ضنك المعيشة، فلا حياة، ولا سعادة، ولا راحة، ولا طمأنينة، إلا في الاستجابة لله وللرسول، ولا ضيق ولا ضنك في العيش إلا بالبعد عن شرع الله عز وجل، واعلموا يرحمكم الله إن الشقاء لابد منه للكسول ولو نفسيا.
والكسول يظن أنه يفر من الشقاء وإنه واقع فيه، ومن كانت حياته كلها خمولا وكسلا تساوت عنده الأيام، فلن يشعر بطعم الانتصار ولا السعادة ولا الفوز ولا النجاح، ويحكى أن رجلا متعبدا في قرية كان قدوة للجميع لمستوى تدينه، وكان كل أهل القرية يسألونه في أمور دينهم ويتخذونه نموذجا يحتذى في الإيمان بالله، وذات يوم حل طوفان بالقرية أغرقها بالماء، ولم يستطع أحد النجاة إلا من كان معه قارب، فمر بعض أهل القرية على بيت المتعبد لينقذوه فقال لهم “لا داعي، الله سينقذني، اذهبوا” ثم مر أناس آخرون وقال لهم نفس الكلام، ومرت آخر أسرة تحاول النجاة بنفس المتعبد وقالوا له ” اركب معنا نحن أخر من في القرية، فإن لم ترحل معنا ستغرق” فأجابهم “لا داعي، الله سينقذني اذهبوا”
وعندما انتهى الطوفان وتجمع أهل القرية وجدوا جثة المتعبد، فثار الجدل بين الناس، أين الله؟ لماذا لم ينقذ عبده؟ وقرر البعض الارتداد عن الدين، حتى جاء شاب متعلم واعي وقال “من قال لكم إن الله لم ينقذه؟ إن الله أنقذه ثلاث مرات عندما أرسل له ثلاث عائلات لمساعدته لكنه لم يرد أن ينجو” إن الله لا يساعدنا بطرق إعجازية، إنما هو يجعل لكل شيء سببا وعلى الإنسان الإجتهاد والأخذ بالأسباب كي ينال مساعدة الله”.