حين يصمت النور وتتكلم العتمة

بقلم/نشأت البسيوني
في بعض الليالي لا نبحث عن الضوء لنرى الطريق بل نترك العتمة لترينا حقيقتنا كما هي
حين يصمت النور
تبدأ الأشياء في الظهور بوضوح لم نكن نراه حين كان الضوء ساطعا
فالعتمة لا تخيف الأرواح النقية بل تكشفها
تكشف عمقها وتعريها من الزيف
كأن الليل مرآة نواجه فيها أنفسنا بلا تجميل
بكل الوجوه التي خبأها النهار عنا
في الصمت الأسود للعتمة
يبدأ القلب في البوح بلا كلمات
تسمع داخلك أصواتا لم تلتفت إليها من قبل
أنينا قديما وحنينا دفنته الأيام
وأسماء كنت تظن أنك نسيتها فإذا بها تعود في هيئة وجع جديد
العتمة ليست ظلاما فقط
إنها اختبار للصدق
تسأل نفسك من أنا حين لا يراني أحد
حين لا يصفق لي أحد
حين لا ينير أحد طريقي
حين يصمت النور وتتكلم العتمة
تكتشف كم كنت تخدع نفسك بالضوء
كم علقت سلامك على وجود الآخرين
ونسيت أن النور الحقيقي لا يأتي من مصباح خارجي
بل من سكينة صغيرة تسكن صدرك
وحين تفقد ذلك النور الداخلي
تصبح العتمة أصدق من أي ضوء
تريك الحقيقة بلا أقنعة بلا رتوش بلا زينة
تجلس في وحدتك
تحيطك الجدران كأنها تحفظ أسرارك
تسمع دقات قلبك كأنها حوار بينك وبين الله
تقول له بصمتك ما لا تقدر عليه الحروف
وتبكي دون صوت لأن العتمة لا تحتاج تفسيرا
هي تفهمك كما أنت
بكل ما انكسر فيك وبكل ما نجا رغم الانكسار
حين يصمت النور وتتكلم العتمة
تتعرى الذاكرة
تعيد لك الوجوه التي أحببتها بصدق يوما ما
وتذكرك بالخذلان الذي حاولت أن تنساه
لكنها لا تأتي لتؤلمك
بل لتطهرك لتصفيك من الداخل
لتقول لك لا بأس ما عاد في القلب إلا ما يجب أن يبقى
يا لهذا الليل كم هو قاس ورحيم في آن واحد
يخيفنا بظلامه ثم يحتوينا بأمانه
نقاومه أول الليل ثم نستسلم له في آخره
لأننا نعلم أن وراء هذا السواد فجرا لا بد أن يولد
وأن الله لا يطيل ليلا إلا ليمتحن قلوبنا على الصبر
حين يصمت النور وتتكلم العتمة
تتوقف ضوضاء العالم
وتصغي لنبضك كأنه حكاية نجاة طويلة
تدرك أنك لم تخرج من ظلامك إلا وأنت شخص آخر
أهدأ أنضج وأقرب إلى الله
وتعرف أن أجمل ما في العتمة
أنها تعيدك إلى نفسك
إلى جوهرك الذي غاب وسط صخب الأيام
ثم فجأة ومن دون أن تدري
ينبثق النور من حيث لا تدري
لكن هذه المرة لا يأتي من الخارج
بل من داخلك أنت
نور لا يرى بالعين بل يحس بالقلب
نور من عرف العتمة وعاد منها دون خوف
من فهم أن السواد ليس نهاية بل ممر نحو بداية أنقى
وحين يشرق الفجر بعد طول ليل
تبتسم ليس لأن الضوء عاد
بل لأنك أدركت أنك لم تكن يوما مظلما كما ظننت
بل كنت نورا مكسورا ينتظر لحظة ترميمه
قد تكون صورة ‏‏‏بحيرة‏، و‏شفق‏‏ و‏أفق‏‏
عرض الرؤى
معدل وصول المنشور: ٥
كل التفاعلات:

١

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق