القدر والنصيب..

فاطمه عبد العزيز
أن كل ما يجري في هذه الحياة إنما هو بتقدير من الله تعالى، فما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، قال الله تعالى: “إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ” (القمر:49)، وأكد الرسول صلى الله عليه وسلم هذا المعنى بقوله لابن عباس رضي الله عنهما: (واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف).
فلو اجتمع الخلق كلهم على شيء كتبه الله تعالى فيه أنه كائن، ليجعلوه غير كائن، لم يقدروا عليه، ولو اجتمعوا كلهم على شيء لم يكتبه الله تعالى فيه، ليجعلوه كائناً، لم يقدروا عليه، جف القلم بما هو كائن إلى يوم القيامة، وما أخطأ العبد لم يكن ليصيبه، وما أصابه لم يكن ليخطئه، وعلى العبد أن يعلم أن الله قد سبق علمه في كل كائن من خلقه، فقدر ذلك تقديراً محكماً.
والإيمان بالقدر أصل من أصول الدين، فقد جاء في الخبر: (ولو أنفقت جبل أحد في سبيل الله ذهباً ما قبله الله منك حتى تؤمن بالقدر، وتعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك، ولو مت على غير ذلك لدخلت النار). رواه أحمد وأبو داود من حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه، وصححه الألباني.
إذا كل شيء في هذه الحياة قسمة ونصيب، قضاء وقدر، كلها بأمر الله، كلها بإذن الله، كلها مقدرة، قدر الله الزواج وقدر الأولاد وقدر كل شيء من أعمال العباد، ويقول النبي ﷺ: (إن الله قدر مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات بخمسين ألف سنة وعرشه على الماء)، كل شيء مقدر، ولكن لا يمنع ذلك من الاخذ بالأسباب، فالإنسان مأمور بالاخذ بالأسباب، مأمور بأن تتزوج الفتاة الصالحة والعكس، فالزواج إذاً قسمة ونصيب كسائر الأمور، ولكن ليس معنى ذلك أن المرء يجلس وينتظر حتى يحصل له الزواج دون أن يسعى في ذلك أي سعي، فمن حكمة الله تعالى أنه يوجد الأمور عند وجود أسبابها، ففي الحديث الصحيح الذي أخرجه الترمذي عن أنس بن مالك قال: قال رجل: (يا رسول الله أعقلها وأتوكل، أو أطلقها وأتوكل؟ قال: أعقلها وتوكل).
ورزق الله سبحانه وتعالى واسع، والزواج رزق، فالرزق يصل للفتاة حتى في بيتها، ، ولقد بين عز وجل أن كل ما كان وما سيكون من حياة الخلق قدر مكتوب في اللوح المحفوظ فيما يعرف بالقضاء والقدر، فلاشك ولا ريب أنه لا يقع في ملك الله عز وجل إلا ما قدره الله وسبق في علمه سبحانه وتعالى، ومن ضمن ذلك زواج فلان بفلانة، فهذا من القدر، وليس له علاقة بشكل أو لون، فالزواج يعتبر من القدر المكتوب في اللوح المحفوظ لما ورد في صحيح مسلم أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قال: (كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق الله السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، قال: وعرشه على الماء) رواه مسلم.
أن المسلم لا يعلم ما قدره الله عز وجل إلا بعد وقوعه، فالقدر من الأمور الغيبية، والمسلم مأمور أن يأخذ بالأسباب، والأخذ بالأسباب لا ينافي القدر، بل هو من قدر الله عز وجل، فإذا أراد شخص الزواج من فتاة فالمطلوب أن يسعى في ذلك، فسعيه للزواج من تلك الفتاة قدر من الله عز وجل، فإذا تم زواجه منها فهو قدر من الله سبحانه وتعالى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *