سنة الله التي لا تتبدل

بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله الذي كان بعباده خبيرا بصيرا، وتبارك الذي جعل في السماء بروجا وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا، وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا، فاللهم صلي وسلم وبارك علي سيدنا محمد وعلي آله وأصحابه أجمعين، الذي حث صلى الله عليه وسلم الناس على كفالة اليتيم وكان يقول صلى الله عليه وسلم ” أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة ، وأشار بالسبابة والوسطى” وجعل الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله، وكالذي يصوم النهار ويقوم الليل واعتبر وجود الضعفاء في الأمة، والعطف عليهم سببا من أسباب النصر على الأعداء، فقال صلى الله عليه وسلم “أبغوني الضعفاء فإنما تنصرون وترزقون بضعفائكم” ولم تقتصر رحمته صلى الله عليه وسلم على الإنسان أو الحيوانات.
بل تعدّت ذلك إلى الرحمة بالجمادات وقد روت لنا كتب السير حادثة عجيبة تدل على رحمته وشفقته بالجمادات وهي حادثة حنين الجذع فإنه لما شق على النبي صلى الله عليه وسلم طول القيام استند إلى جذع بجانب المنبر فكان إذا خطب الناس اتكأ عليه، ثم ما لبث أن صُنع له منبر، فتحول إليه وترك ذلك الجذع فحن الجذع إلى النبي صلى الله عليه وسلم حتى سمع الصحابة منه صوتا كصوت البعير، فأسرع إليه النبي صلى الله عليه وسلم فاحتضنه حتى سكن ثم التفت إلى أصحابه فقال لهم ” لو لم أحتضنه لحن إلى يوم القيامة ” رواه أحمد، وإن الحق هو ما أوحاه الله تعالى إلى رسوله الكريم محمد صلى الله عليه وسلم من البينات والهدى، المتضمن للعلم النافع، والعمل الصالح، والخلق الفاضل، فإذا جاء هذا الحق زهق الباطل.
فكما لا يجتمع النور مع الظلام، ولا الليل مع النهار، ولا الحر مع البرد، كذلك لا يجتمع الحق مع الباطل لأن كل واحد منهما يطرد الآخر، والباطل زهوق، ولكنه قد يكون له صولة ورواج إذا لم يقابله الحق، فعند مجيء الحق يضمحل الباطل، فلا يبقى له حراك, ولهذا لا يروج الباطل إلا في الأزمنة والأمكنة الخالية من العلم بالله وأسمائه وصفاته، والعلم بآياته وبيناته، والعلم بدينه وشرعه، ولذلك مدح الله تعالى أهل الحق ممن يتواصون بنشره وتعليمه، فقال تعالى كما جاء فى سورة العصر ” والعصر إن الإنسان لفى خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر” وسنة الله التي لا تتبدل أن الحق إذا جاء زهق الباطل، فالباطل لا يمكن أن يثبت للحق, فقال سبحانه وتعالى كما جاء فى سورة الإسراء ” وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا”
وإن ظهور الباطل وبقاءه منتفشا فترة من الزمن، ليس معناه أن الله تعالى تاركه، أو أنه من القوة بحيث لا يغلب، أو بحيث يضر الحق ضررا باقيا قاضيا، أو أنه متروك للباطل يقتله ويرديه، كلا، إنما هي حكمة وتدبير من الحكيم الخبير هنا وهناك، يملي سبحانه وتعالى للباطل ليمضي إلى نهاية الطريق، وليرتكب أبشع الآثام وليحمل أثقل الأوزار، ولينال أشد العذاب باستحقاق، فيقول تعالى كما جاء فى سورة آل عمران ” ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملى لهم خير لأنفسهم إنما نملى لهم ليزدادوا إثما ولهم عذاب مهين” فالله عز وجل يملي للظالم حتى يزداد طغيانه، ويترادف كفرانه، حتى إذا أخذه أخذه أخذ عزيز مقتدر، فليحذر الظالمون من الإمهال، ولا يظنوا أن يفوتوا الكبير المتعال، فقال سبحانه وتعالى كما جاء فى سورة هود ” وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهى ظالمة إن أخذه أليم شديد “