مديري نبراس طريقي

كتبت / هالة أحمد
سأكتب اليوم عن قائد وقدوة؛ هو ليس معلمًا ولكنه علمني الكثير والكثير من أمور القيادة فكان أستاذي وقدوتي وأنار لي دربي في هذه المرحلة من عملي وكان عونًا وسندًا ونبراسًا لخطواتي القادمة في عملي القيادي، إنه الأستاذ عزت بيومي مدير مدرستي آنذاك والذي عملت معه لعام دراسي كامل أو أقل وكان هذا العام بمثابة أعوام عدة بالنسبة لي من خلال ما اكتسبته منه من خبرات ومهارات أصقلتني في عملي، وكان ذلك في عام 1998 حينما ترقيت إلى وظيفة معلم أول وهذه الترقية ألحقتني بالعمل في هذه المدرسة التي يديرها مديري الفاضل و هي مدرسة المستشار صلاح مرعي في عزبة مرعي في قرية المطيعة الجميلة بأهلها، العامرة بتاريخها، المتألقة بموقعها الجغرافي الممتاز التابعة لمحافظة أسيوط و كنت أنا ومديري من قرى أخرى ولكننا عملنا في هذه المدرسة كأنها منزلنا الذي ننتمي له بكل ولاء وحب .
لماذا كان مديري متميزًا عن غيره ممن عملت معهم من قبل؟
لأنه كان متفهمًا لدوره القيادي الذي يدعم المعلمين والطلاب وأولياء الأمور ويعزز من مهارات القيادة الوسطى (المعلمين الأوائل) أمثالنا؛ فعندما ترقيت مع مجموعة من الزملاء والزميلات في هذه المدرسة وكان عددنا خمسة ومنذ اليوم الأول لدخولي إلى المدرسة وأنا أرى أستاذي غير بقية المديرين الذين عملت معهم، كان نشيطًا وذكيًا ومحركًا لطاقم العمل؛ فأسند إلى كل واحد منا مهام عمل فنية وإدارية يومية نقوم بها بالإضافة إلى تدريسنا لعدد قليل من الحصص، منا من يقوم بعمل الجدول وتعديله ومنا من يقوم بتوزيع الاحتياط وآخر يلاحظ حضور الطلبة والتزامهم وأخرى تتجول صباحًا للتأكد من عملية النظافة، وجميعنا يتابع أداء المعلمين داخل الصفوف كل حسب تخصصه، زودنا بسجلات لهذه الأعمال وعلمنا كيف نقوم بالعمل فيها وندون ملحوظاتنا وتوصياتنا ونرفعها له ونتناقش فيها خلال اجتماعاتنا الدورية، ويمر على الصفوف من حين لآخر ليرى تدريسنا ويطمئن على أحوالنا؛ فهو دؤوب العمل والحركة ولا يجلس في مكتبه كثيرًا، جُل وقته يتابع ويلاحظ ويراقب ويعزز ويدعم العملية التعليمية بكل ما أوتي من قوة.
كان يحضر في الصباح الباكر قبل أي شخص فينا ويتجول في المدرسة يتفقد ساحاتها وفصولها وحماماتها ومعاملها وغرف جلوسنا ويتأكد من نظافتها بنفسه، ثم يحضر الطابور الصباحي وهو يسير بين الطلبة؛ فيرى هذا قميصه غير مرتب فيرتبه له وهذا حذاءه غير مربوط فينحني ليعدله له وهذا وقفته غير صحيحة فيصححها له وغيرها من الأمور الأخرى الجميلة التي نراها كل يوم.
أتذكره يومًا في أحد الاجتماعات قال لي (لا أخفض الله لك صوتًا يا هالة، لماذا لا نسمعك اليوم؟) فرددت عليه بأنني مريضة وكان من عاداتي معه المناقشة في الاجتماعات حول أعمالنا لأتعلم منه أكثر فاستغرب ذلك اليوم لعدم تفاعلي معهم، إلى هذه الدرجة هو مهتم بسماع آرائنا جميعًا ولا يغفل أحدًا منا أو يتغافله، ومن المواقف الأخرى المؤثرة بيني وبين مديري الفاضل عندما دخل عندي الصف ذات يوم ووجد عطائي غير كل يوم، فسألني: ما بك؟ أراك اليوم في غير طبيعتك وحيويتك حتى خارج الصف؟ فقلت لها عندي ظروف صعبة أمر بها هذه الأيام؛ فهدأ من روعي بكلمات طيبة خففت من وطأة ما كنت فيه جعلتني من يومها أفصل بين حياتي الشخصية والعملية وأتبنى مبدأي المرونة والتعايش مع الحياة وأسخر وقت عملي لعملي.
سلام عليك مديري ومعلمي وأستاذي الفاضل، سعدت بالعمل معك وتعلمت منك الكثير من القيم والأخلاق والسلوكيات الحميدة التي كانت وما زالت نهجًا لحياتي وأسعى لنقلها لجميع من أعمل معهم.
ختامًا: ليس المعلم هو من يعلمنا القراءة والكتابة والرياضيات والعلوم وغيرها من المواد الأخرى فقط؛ إنما المعلم هو من يعلمنا في أي مكان وزمان العلم والمعرفة والأخلاق والقيم، ويكسبنا مهارات القيادة والتفكير وحل المشكلات سواء أكانت مباشرة أم ملموسة من خلال العمل ورؤى العين والممارسات اليومية، وهذا ما تعلمته من مديري الفاضل، أرجو الله أن تصلك كلماتي هذه وتقرؤها وتعرف أثرك ونتيجة عملك معلمي ومؤسس قيادتي الفاضل، شكرًا لك من كل قلبي ولأمثالك الأعزاء.