أكتوبر في عيون الآخرين أهم ست ساعات في تاريخ مصر والشرق الأوسط

كتبت/ حنان مرسي

تمر السنون بسرعة البرق وتتزاحم فيها الأحداث؛ إلا أن هناك أحداثاً يقف عندها التاريخ متأملاً ومعجباً ولا يستطيع أن يمررها بسهولة قبل أن يسردها ويحللها بدقة لتكون نبراساً للأجيال التالية .

ومن هذه الأحداث نصر أكتوبر الغير متوقع من العالم أجمع في ذلك الوقت . اللحظة التي حُبست فيها الأنفاس و لحظة الكرامة والانتصار.

مقدمات نصر أكتوبروحرب الألف يوم

دائما تكون الأحداث العظيمة بمقدمة غاية في القسوة تتناسب مع عظمتها ، وتكون نتيجة القسوة والمعاناة نصرا من الله وعِزة .
ونصر أكتوبر سبقته نكسة (١٩٦٧ ) والتي تم الإعتداء خلالها على الأرض فسلبت سيناء تحت مرأى ومسمع العالم الذي تغافل عن ذلك ، وأصبح الوضع أمرا واقعا وكأن جزءا من جسد البلاد قد إقتطع ، لكن بفضل الله أولا ثم عزائم أبناء مصر وتكاتف شعبها وجيشها ووحدته الوطنية ثانيا تم النصر

فعلى مدار ستة سنوات فقدنا فيها العزيز والغالي من أبنائنا خلال حرب الإستنزاف والتي إرتكب خلالها أبشع الجرائم ضد المدنين من شعب مصر والتسلل إلى العمق المصري وضرب الكباري مثل كوبري إدفو وكوبري قنا وضرب نجع حمادي
فلن ننسى دماء عمال مصنع أبو زعبل أو دماء أطفال مدرسة بحر البقر ودماء أكثر من ستة آلاف عامل أثناء بناء حائط الصواريخ الذي تم بناؤه في أربعين يوما لحماية العمق المصري .

لكن المصريون لقنوا إسرائيل دروسا كثيرة خلال حرب الإستنزاف أو حرب الألف يوم كما أطلق عليها كل يوم فيها فقد فيه الجيش الإسرائيلي من ٧-١٠ جنود وذلك أكبر من كل الذي فقدوه خلال حروب ١٩٤٨ ، ١٩٥٦ ، ١٩٦٧

فقد تم تدمير المدمرة البحرية إيلات في ٢١ أكتوبر ١٩٦٧
وتدمير السفينة بيت شيفع ، وتدمير ناقلة الجنود بات يام
وتدمير الرصيف الحربي لميناء إيلات وكانت ضربات موجعة أصابت العدو في مقتل .

خلال هذه الحرب شارك ١,٢٥٠ مليون جندي وفدائي
منهم ٦٠ كتيبة لحماية المطارات والمنشآت الحيوية والكباري والجسور وتقاطعات الطرق .

وفي أسبوع واحد بداية من ٣٠يونيو ١٩٧٠ أسقط الدفاع الجوي المصري ٢٤ طائرة ڤانتوم وسكاي هوك إسرائيلية
ولأول مرة في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي تطلب إسرائيل وقف إطلاق النار الذي تم في ٨ أغسطس ١٩٧٠
بمبادرة من وزير الخارجية الأمريكي وقتها .

وقد صرح ( ماتيو بليد ) عضو هيئة الأركان للجيش الإسرائيلي ومسئول شعبة الإمداد للمراسل العسكري لجريدة
( ها آرتس ذا إيف شيڤ ) أن إسرائيل منيت بالهزيمة في حرب الإستنزاف والجيش الإسرائيلي فشل من الناحية العسكرية .

تصريحات ولاد العم قبل حرب أكتوبر١٩٧٣

عندما تولى الرئيس السادات الحكم طالب بالحقوق المصرية في إسترداد الأراضي المحتلة عن طريق الحوار لكن ولاد العم رفضوا وفي لقاء تليفزيوني مع ( موشي ديان ) وزير الدفاع الإسرائيلي إبان الحرب تم سؤاله
ما هي خطواتكم التالية ؟ ومن سيبدأ بالاتصال للتشاور في حل نهائي لمشكلة الشرق الأوسط ؟

أجاب في غرور شديد ( أعتقد أنه يمكننا إنتظار إتصالهم بنا فأنا أرى أن وضعنا الحالي جيد ، ولا أجد سببا للإتصال بهم ونحن سعداء بما حققناه وإذا كانوا هم أيضا سعداء فلا يوجد مشكلة ، ولكنهم ليسوا سعداء بالمرة اذاً فليتصلوا بنا

وإذا قرر الحاكم المصري الجديد خوض الحرب ضدنا فلا أتمنى أن أكون على الجانب المصري من القناة وإذا كنت على الجانب المصري فسأكون مع قواتي )

كما تم ترويج الإشاعات وشن الحرب النفسية على المصرين
بأنهم جيش لا يقهر وأن خط بارليف يستطيع إبادة المصرين في دقائق لو حاولوا إقتحامه .

لكن الرئيس الراحل أنور السادات رد بأنه لن يتنازل ولن يفرط في شبر واحد أو حبة رمل من أراضينا .

دموع في عيون وقحة

وجاءت ساعة النصر ساعة العبور في ظهيرة يوم السادس من أكتوبر ١٩٧٣ عندما دوت الصواريخ المصرية بطلعة جوية درست في الأكاديميات العسكرية بالعالم وتم تدمير النقاط الحصينة على خط بارليف في يوم غفرانهم الذي تحول إلى كابوس لا يستطيعون التخلص منه مهما مرت السنون .

وفي أول يومين للحرب خسرت إسرائيل حوالي ألف قتيل وجاء رد فعل ( موشي ديان ) عندما قال :

( إنها حرب صعبة للغاية والمواجهات قوية ومريرة لقواتنا البرية والجوية هذه الحرب ثقيلة بأيامها و بدمائها نحن الآن في خضم المعركة ونعجز تماما عن التعبير عن مدى حزننا لفقد شهدائنا )

وعندما أعلنت (جولدا مائير) رئيسة وزراء إسرائيل هجوم الجيشين المصري والسوري على قواتها قالت :

( مأساة عاشت وستعيش معي حتى الموت )

آرئيل شارون رئيس الوزراء الأسبق لإسرائيل والذي كان قائدا في الجيش الإسرائيلي إبان الحرب
علق قائلا ( أمضينا ليلة من أسوأ الليالي في حياتنا )

الچنرال ( آهارون باريف )مساعد أركان حرب القوات المسلحة الاسرائيلية في حديث تلفزيوني أيام الحرب الأولى
جاء عن لسانه ( إن إسرائيل تخوض الآن أكثر الحروب ضراوة منذ قيامها عام ١٩٤٨ وتواجه جيوشا من أحسن الجيوش العربية تسليحا وعلينا أن نخوض قتالا كبيرا ستكون فيه الأعصاب موضع إختبار وهذه الحرب لم تخضها إسرائيل من قبل وقواتنا تكبدت خسائر جسيمة ) .

الچنرال ( كالمان ) قائد أحد المواقع في شمال سيناء
جاء عن لسانه
( إن القوات المصرية الخاصة تدخل سيناء من كل مكان ومن كل إتجاه وبكل الوسائل بطائرات الهليكوبتر و بالقوارب
وسيرا على الأقدام هذه القوات تقاتل بشراسة وهي مسلحة بأحدث الأسلحة )

داڤيد أليعاذر رئيس هيئة أركان حرب الجيش الإسرائيلي يوم ٨أكتوبر ١٩٧٣ صرح بالآتي :
( كانت هناك حين بدأت العمليات ٣٥٠ دبابة لم تبقى الآن في سيناء وعلى طول المسافة من خط الجبهة إلى العريش غير ٩٠ دبابة )

أهم ماجاء في الصحف العالمية عن نصر أكتوبر

صحيفة ( ديلي تليجراف ) البريطانية

( حرب أكتوبر غيرت مجرى التاريخ وحطمت الأسطورة النفسية الإسرائيلية و نظرية الحدود الأمنية التي تبنتها إسرائيل منذ إنشائها بغرض التوسع إنهارت تماما وأكدت أن العقلية العسكرية الاسرائيلية لابد وأن تتغير في ضوء حرب أكتوبر ويجب على إسرائيل أن تتخلى عن فكرة أن أمنها يتحقق بمجرد إحتلال الأراضي )

( الساعات الست الأولى من السادس من أكتوبر عندما عبر الجيش المصري قناة السويس وإقتحم خط بارليف غيرت مجرى التاريخ بالنسبة لمصر وبالنسبة للشرق الأوسط )

صحيفة ( تايمز ) البريطانية

( الحرب أثبتت أن المقاتل العربي له قدرات إستخفت بها صحف العالم )

صحيفة ( واشنطن بوست ) الأمريكية

وصفت الجنود المصريون والسوريون بالشجعان وأكدت
أنهم أ دوا بكفاءة عالية وتنظيم وشجاعة كبيرة خلال الحرب
وسلطت الضوء على إنسحاب إسرائيل من مناطق محددة وأنها أُجبِرت على ذلك لمخاوفها من تجدد الحرب بعد أن
هدئت وتيرتها .

وأشارت الى أن الحرب التي اندلعت فجأة دمرت تماما روحانيات يوم الغفران لدى اليهود وحولت صلواتهم الى حالة من الصمت لدرجة أن موشي ديان وصفها بالحرب الشاملة .

صحيفة ( نيويورك تايمز ) الأمريكية

( حرب اكتوبر سيكون لها تداعيات كبيرة على الخريطة السياسية للمنطقة وأنه بعد ثلاثة أسابيع من الحرب أصبحت الولايات المتحدة مجبرة على اللجوء الى الاتحاد السوفيتي لمحاولة وقف الحرب لإنهائها وأن الحصار على تصدير النفط الى الغرب ينذر بكارثة للولايات المتحدة وأكدت على فشل الإستخبارات الإسرائيلية لدرجة أنه في نفس يوم الحرب لم يكن متوقعا حدوث أي شيء )

صحيفة ( لوموند )الفرنسية

( لقد كان مبالغة في الوهم فعلا من الجانب الإسرائيلي أن يصدق أن الدول العربية ستبقى مستسلمة الى الأبد حيال إحتلال أراضيها ومهما تكن نتيجة المعارك فإن العرب أحرزوا انتصارا وقضوا على الصورة السائدة عنهم )

صحيفة ( زانا بيلاس )الإيطالية

( الجنود الإسرائيليون فروا من جحيم الهجوم المصري وكانوا شاحبي الوجوه وتعلوهم علامات المفاجأه والخوف من الهجوم الكاسح )

الدور العربي في نصر أكتوبر

مما لا شك فيه أن التكاتف العربي مع مصر خلال حرب أكتوبر كان له أكبر الأثر في تحقيق النصر
فبعض الدول مثل المملكة العربية السعودية والإمارات والبحرين قاموا بحظر تصدير البترول إلى الغرب .
وتقديم المساندات المادية وإمدادات الأسلحة والطائرات .

ولا ينسى دور دولة اليمن في مساعدة مصر على غلق مضيق باب المندب لمنع مرور أي سفن حربية للمنطقة .

ونذكر كلمة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة
عندما علم بقيام الحرب وكان في لندن فعقد مؤتمر صحفي
وكانت كلماته الذهبية :
( ليس المال أغلى من الدم العربي وليس النفط أغلى من الدماء العربية التي إختلطت على أرض جبهة القتال في مصر وسوريا )

هذا وقد إستشهد في هذه الملحمة العظيمة الآلاف من خيرة أبنائنا فتحية لمن قدموا هذا النصر ودفعوا أرواحهم ثمنا له
ونذكر منهم النقيب طيار مقاتل ( عاطف السادات ) الشقيق الأصغر للراحل أنور السادات الذي إستشهد في
يوم ٦ أكتوبر ١٩٧٣ وكانت آخر كلماته قبل الإستشهاد التي أوصى بها زميله قبل ركوب طائرته :
( قبل أن توجه الصواريخ قل ” وما رميت إذ رميت ولكن الله
رمى” )

الزعيم أنور السادات

هذا الزعيم الذي أبهر العالم كقائدا للحرب وقائدا للسلام
الذي رفع علم مصر على أرض سيناء ، وألبس اليهود البيچامات الكستور أثناء عمليات تبادل الأسرى ذلك الزي الذي كان يرتديه أطفال ريف مصر
بعد عمليات الطهور كانت رسالاته قوية وفي قمة الذكاء
وكان مثالا للقائد السياسي المُحنَك

ونختم بكلماته التي ألقاها في خطاب النصر في ١٤ أكتوبر ١٩٧٣

( سوف يجئ يوما لنقص ونروي ماذا فعل كل منا في موقعه
وكيف حمل كل منا أمانته وأدي دوره كيف خرج الابطال من هذا الشعب وهذه الأمة في فترة حالكة ساد فيها الظلام ليحملوا مشاعل النور وليضيئوا الطريق حتى تستطيع أمتهم
أن تعبر الجسر ما بين اليأس والرجاء

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *