حافظ على الصديق ولو في الحريق

بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله الذي علَّم القرآن، خلق الإنسان، علَّمه البيان، والصلاة والسلام على عبده ورسوله محمد، أعلم الخلق بالله ودينه وشرعه، وأنصحهم للناس وأنفعهم، وعلى آله وأصحابه أولي الفضائل والكرامات، ومن تبعهم إلى يوم الحشر والجزاء، أما بعد قال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه “ما من شيء أدل على شيء، ولا الدخان على النار، من الصاحب على الصاحب” وقال لقمان رحمه الله لابنه وهو يعظه يا بني، لا تعد بعد تقوى الله من أن تتخذ صاحبا صالحا، وكما قال لقمان لابنه وهو يعظه “يا بني، من لا يملك لسانه يندم، ومن يكثر المراء يشتم، ومن يصاحب صاحب السوء لا يسلم، ومن يصاحب الصالح يغنم” وقال جعفر بن محمد رضي الله عنهما “حافظ على الصديق، ولو في الحريق”
وقال عبيد الله بن الحسن لرجل يا فلان، استكثر من الصديق فإن أيسر ما تصيب أن يبلغه موتك فيدعو لك” قال الحسن البصري رحمه الله “المؤمن مرآة أخيه، إن رأى فيه ما لا يعجبه سدده وقومه، وحاطه وحفظه في السر والعلانية، إن لك من خليلك نصيبا، وإن لك نصيبا من ذكر من أحببت، فثقوا بالأصحاب والإخوان والمجالس” وقال أبو سليمان الداراني رحمه الله “لا تصحب إلا أحد رجلين رجلا ترتفق به في أمر دنياك، أو رجلا تزيد معه وتنتفع به في أمر آخرتك، والإشتغال بغير هذين حمق كبير” وقال صالح بن موسى قال رجل لداود الطائي أوصني، قال ” اصحب أهل التقوى فإنهم أيسر أهل الدنيا عليك مؤنة وأكثرهم لك معونة” وقال الكندي “الصديق إنسان هو أنت، إلا أنه غيرك”
وقيل لأحد الحكماء بما يعرف الرجل أصدقاءه؟ قال بالشدائد لأن كل أحد في الرخاء صديق” فإنهما ليلتان اثنتان يجعلهما كل مسلم في ذاكرته، ليلة في بيته، مع أهله وأطفاله، منعما سعيدا، في عيش رغيد، وفي صحة وعافية، ويضاحك أولاده ويضاحكونه، والليلة التي تليها، بينما الإنسان يجر ثياب صحته منتفعا بنعمة العافية، فرحا بقوته وشبابه، إذ هجم عليه المرض، وجاءه الضعف بعد القوة، وحل الهم من نفسه محل الفرج، فبدأ يفكر في عمر أفناه، وشباب أضاعه، ويتذكر أموالا جمعها، ودورا بناها، ويتألم لدنيا يفارقها، وذرية ضعاف يخشى عليهم الضياع من بعده، وقد إستفحل الداء، وفشل الدواء، وحار الطبيب، ويئس الحبيب ” وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحديد” ونزلت به السكرات، وصار بين أهله وأصدقائه ينظر ولا يفعل، ويسمع ولا ينطق، يقلب بصره فيمن حوله، من أهله وأولاده، وأحبابه وجيرانه.
ينظرون إليه وهم عن إنقاذه عاجزون، فيقول تعالي ” فلولا إذا بلغت الحلقوم وأنتم حينئذ تنظرون ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون” ولا يزال يعالج سكرات الموت، ويشتد به النزع حتى إذا جاء الأجل، ونزل القضاء، فاضت روحه إلى السماء، فأصبح جثة هامدة بين أهله، واعلموا يرحمكم الله بأن القبر أول منازل الآخرة، فإن كان من أهل الجنة عرض له مقعده من الجنة وإن كان من أهل النار عرض عليه مقعده من النار ويُفسح للمؤمن في قبره سبعون ذراعا ويملأ عليه نورا ونعيما إلى يوم يبعثون وأما الكافر فيضرب بمطرقة من حديد ويضيق عليه قبره حتى تختلف فيه أضلاعه، وروى الإمام الطبراني عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بقبر فقال “من صاحب هذا القبر؟” فقالوا فلان،
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “ركعتان أحبّ إلى هذا من بقية دنياكم” وفي رواية قال “ركعتان خفيفتان مما تحقرون وتنفلون يزيدها هذا في عمله أحب إليه من بقية دنياكم” فإن غاية أمنية الميت المقصر أن يُمدّ له في أجله ليركع ركعتين يزيد فيها من حسناته ويتدارك ما فات من أيام عمره في غير طاعة فأين نحن من هذا المقام؟