الفجور في الخصومة

بقلم / محمـــد الدكـــروري

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد وإن من أنواع الأمانات هو الأمانة في نقل العلم والحديث، فقد روى أن الإمام البخاري صاحب الصحيح رحمه الله تعالى ذهب مسافرا إلى شيخ من الشيوخ ليروي عنه حديثا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدخل المدينة لا يعرف أين الشيخ؟ فلما دخل في أحد شوارعها وجد رجلا مع فرس وهو يريد أن تلحق به الفرس، ووجد أنه قد رفع ثوبه كأنه يحمل في حجره شيئا، فرأى الفرس تلحق به، فلما وصل إلى بيته أمسك بالفرس وفتح حجره وإذا به خاليا ليس فيه شيء، فلما نظر البخاري إلى هذه الفعلة قال له أريد فلان بن فلان، فقال له الرجل وماذا تريد منه؟ قال لا أريد منه شيئا.

سوى أني حدثت أنه يروي عن فلان عن فلان عن فلان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا، وذكر الحديث، فقال هذا الرجل أنا فلان، وحدثني فلان عن فلان عن فلان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال كذا، فماذا صنع البخاري؟ فقد أبى أن يروي عنه، وقال إذا كان الرجل يكذب على بهيمته فأخشى أن يكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذه رسالة للعلماء والمحدثين، الذين لا يراعون الأمانة العلمية في نقولهم وبحوثهم، ونسبة الأقوال لأنفسهم، ونقل فصول كاملة بمراجعها على أنها من جهدهم، من أجل حصول أحدهم على شهادة يضر نفسه بها في دنياه، ويسأل عنها في أخراه، وإن الفجور في الخصومة من صفات النفاق، والفجور هو الميل عن الحق، فمن كان له خصومة مع أحد عند قاض أو غيره، إذا مال عن الحق وكذب في دعواه.

فادّعى ما ليس له، أو أنكر ما عليه فهذا هو الفاجر، ويعظم الأمر حينما يتعلق بحقوق الآخرين فعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال “من حلف على يمين يقتطع بها مال امرئ مسلم هو عليها فاجر، لقي الله وهو عليه غضبان” فخاب وخسر من لقي سيده وهو عليه غضبان، فغيره يتمتع بالمال وهو يعاقب عليه، فغنمه لغيره وغرمه عليه، وكما أن إخلاف الوعد من صفات المنافقين، فيحرم التشبه بهم في هذه الخصلة المقيتة، فالوعد يجب الوفاء به، فمن وعد غيره شيئا كهدية أو صدقة أو المساعدة إذا تزوج أو إشترى سيارة أو غير ذلك، وجب عليه أن يعطيه ما وعده إياه، ويقول ربنا تبارك وتعالى ” يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون، كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون”

وعن عقبة بن عامر أنه قال قلنا يا رسول الله، إنك تبعثنا، فننزل بقوم، فلا يقروننا، فما ترى؟ فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم “إن نزلتم بقوم، فأمروا لكم بما ينبغي للضيف، فاقبلوا، فإن لم يفعلوا، فخذوا منهم حق الضيف الذي ينبغي لهم” رواه البخاري ومسلم، فأذن لهم النبي إذا قصّر المضيف في حقهم بأخذ حق الضيف، ولو من غير رضا المضيف، فعدم الأخذ أولى، والأخذ جائز إذا أمنت المفسدة، أما ما يروى عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه قال “أدي الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك” فلا يصح، وهكذا قال الحافظ ابن حجر في كتابه “التلخيص” وكما قال الشافعي هذا الحديث ليس بثابت، وقال ابن الجوزي لا يصح من جميع طرقه.

ونقل عن الإمام أحمد أنه قال هذا حديث باطل لا أعرفه من وجه يصح، وعلى فرض صحة الحديث، فمن عاقب بمثل ما عوقب به، وأخذ حقه، فليس بخائن، وإنما الخائن من أخذ ما ليس له، أو أخذ أكثر من حقه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *