العيش في سراب خادع

بقلم / محمـــد الدكـــروري

الحمد لله الرحيم الرحمن علم القرآن خلق الإنسان علمه البيان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له أنزل القرآن هدى للناس وبينات من الهدي والفرقان وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا وعظيمنا محمدا عبده ورسوله سيد ولد عدنان، صلى عليه الله وملائكته والمؤمنون وعلى آله وأزواجه وخلفائه وجميع أصحابه ومن تبعهم بإحسان، ثم أما بعد، إنها أساس الحياة ومنطلق النجاح والطريق السليم للسير، لا يمكن لأي عمل أن يوفق إلا بها بعد الله تعالى ولا تستقيم خطط وآمال إلا بإحيائها حملها ثقيل وغير أنه لا بد منه ومسؤوليتها عظيمة، لكنها ضرورة لحياة كريمة بها نهضت شريعة الإسلام وعليها قامت معالمه وعلى ضوئها يعيش الناس فكيف لوفقدت؟ إنها الأمانة أيها الأمناء، إنها الأمانة التي ناءت بحملها السموات والأرض والجبال.

والأمانة مع ثقلها إلا أنها ليست مستحيلة بل تتوج بها عباد الله الصالحين حتى وصفهم الله بها فقال تعالى ” والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون ” والتفت إلى هذا التناغم اللفظي والمعنوي بين الإيمان والأمانة، في قول الحبيب المصطفي صلي الله عليه وسلم ” لا إيمان لمن لا أمانة له ولا دين لمن لا عهد له” رواه أحمد، والأمانة ليس لها حدود ولا ترتبط بعمل دون عمل ولا بوقت دون وقت ولا بشخص دون شخص ويكبر عليها كبير، ولا يستثنى منها غني أو فقير، أما كفينا عظة في أن نبينا محمد صلي الله عليه وسلم قد يسمى قبل بعثته بالصادق الأمين، ولقد أتى يهودي ليشتري منه ثوبين إلى الميسرة فانتهزها اليهودي لينال من جنابه العظيم وقال قد علمت ما يريد إنما يريد أن يذهب بمالي أو بدراهمي، فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم ” كذب، قد علم أني من أتقاهم لله، وأدّاهم للأمانة” رواه الترمذي.

فما أعظم الشهادة في سبيل الله تعالى حيث يفدي الشهيد دينه ووطنه بروحه غير أنه يحاسب على أمانته، فعن روى ابن كثير بسنده عن عبد الله بن مسعود قال “إن الشهادة تكفر كل ذنب إلا الأمانة، يؤتى بالرجل يوم القيامة وإن كان قُتل في سبيل الله تعالى فيقال أد أمانتك، فيقول وأنّى أؤديها وقد ذهبت الدنيا؟ فتمثل له الأمانة في قعر جهنم فيهوي على أثرها أبد البد” وليست الأمانة أمرا مندوبا أو نفلا، بل إن أداءها على وجهها أمر واجب حتمي، وليست الأمانة أمرا مستغربا على النفوس لا تعرفها إلا من دينها بل هي فطرة فطر الإنسان على معرفته غير أنه مرة يوافقه ومرة يخالفه ولكل جزاء، ويا لمحبة الله لصاحب الأمانة التي يرعاها في نفسه وأهله وعمله ووقته وفي كل شيء، إنها محبة الله تعالي، لا شيء أغلى منها ولا يستحقها إلا الأمين، فقال الحبيب المصطفي صلي الله عليه وسلم.

” من سرّه أن يحبه الله ورسوله فليصدق حديثه إذا حدّث وليؤد أمانته إذا ائتمن” رواه البيهقي، إنه الأمانة مقياس العمل الجاد الناجح حينما تقترن بالقوة حيث قال تعالي ” إن خير من استأجرت القوي الأمين ” إنها الأمانة التي كان يودع بها النبي صلي الله عليه وسلم أصحابه وجيوشه فيقول لهم ” استودع الله دينكم وأمانتكم وخواتيم أعمالكم ” رواه أبو داود، فإن أروقة المحاكم تغص بآلاف القضايا الأخلاقية وغير الأخلاقية بسبب البعد عن الله عز وجل وبسبب خيانة الأمانة، فهذا أب يفعل الفاحشة في إبنته وأخ يمارس الجنس مع أخته، وولد يغتصب أمه وأعتذر لكم عن هذا النقل الذي لا يكاد يصدقه العقل، لكنها تالله وبالله هي الحقيقة المرة التي يجب أن نصدقها ونعيها.

فيا أيها الناس أين الأمانة عند رجل أدخل الدش في بيته، يقتل الفضيلة وينشر الرذيلة ويحرك الغرائز، ويثير المشاعر وإذ بها لحظات حتى تقع الأسرة فيما لا تحمد عقابه ولا ترجى أخراه، فأفيقوا معاشر المسلمين، إستيقظوا من رقدتكم وهبوا من نومكم، فأنتم والله تعيشون في سراب خادع، وبين أحضان شيطان مخادع، فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *