أعظم الأمانة عند الله يوم القيامة

بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله، لا مانع لما أعطاه ولا رادّ لما قضاه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا معبود بحق سواه، وأشهد أن محمد عبد الله ورسوله ومصطفاه صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه ومن والاه، أما بعد فأوصيكم ونفسي بتقوى الله فسبحانه وتعالي القائل ” فاتقوا الله يا أولي الألباب لعلكم تفلحون ” ثم أما بعد إن من أعظم الأمانة هي الأمانة التي تكون بين الرجل وزوجته، فلا تفشي له سرا، ولا يطلع لها مخفيا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” إن من أعظم الأمانة عند الله يوم القيامة، الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه، ثم ينشر سرها ” رواه مسلم، فيحرم على الزوج والزوجة أن ينشرا سرهما وما يجري بينهما من علاقات زوجية لغيرهما، ولو على سبيل المزاح.
فقد سد الشارع الكريم هذا الباب، درءا لما قد يحصل فيه من شرور وفتن وبلايا ومحن، ألا وإن من أعظم الأمانة هي تلك الأمانة التي أنيطت بالقضاة والمعلمين من القيام بها أجمل قيام ورعايتها أعظم رعاية، فالخصوم أمانة في أعناق القضاة والطلاب أمانة في رقاب المعلمين، فليرعي كل أمانته وليحذر من الخيانة، أو الغدر والنكوص على الأعقاب فالويل ثم الويل لمن فرط في أمانته، فاعدلوا بين الخصوم وارعوا حقوق الطلاب بكل صدق وأمانة فالأمر أخطر مما يتصور وأفظع مما يتوقع، فإن الرسالة إلى كل خائن هي أن يعلم بأن الجزاء من جنس العمل، وفي التاريخ عبرة لمن يعتبر، حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “ما من ذنب أجدر أن يعجل الله تعالى لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدخره له في الآخرة من قطيعة الرحم والخيانة والكذب.
وإن أعجل الطاعة ثوابا لصلة الرحم حتى إن أهل البيت ليكونوا فجرة فتنمو أموالهم ويكثر عددهم إذا تواصلوا” فهذا هو الوزير ابن العلقمي الخائن يقول عنه شيخ الإسلام ابن كثير ثم حصل له بعد ذلك من الإهانة والذل على أيدي التتار الذين مالأهم وزال عنه ستر الله، وذاق الخزي في الحياة الدنيا، ولعذاب الآخرة أشد وأبقى، وقد رأته امرأة وهو في الذل والهوان وهو راكب في أيام التتار برذونا وهو مرسم عليه، وسائق يسوق به ويضرب فرسه، فوقفت إلى جانبه وقالت له يا ابن العلقمي هكذا كان بنو العباس يعاملونك ؟ فوقعت كلمتها في قلبه وانقطع في داره إلى أن مات كمدا وغما وضيقا وقلة وذلة، وقد سمع بأذنيه ورأى بعينيه من الإهانة من التتار والمسلمين ما لا يحد ولا يوصف، وتولى بعده ولده الخبيث ثم أخذه الله أخذ القرى وهي ظالمة سريعا.
وقال الذهبي في ترجمة المنتصر بالله الخليفة العباسي، ورد عنه أنه قال في مرضه، ذهبت يا أماه منى الدنيا والآخرة، عاجلت أبي فعوجلت، وكان يتهم بأنه واطأ على قتل أبيه، فما أمهل، وجلس مرة للهو، فرأى في بعض البسط دائرة فيها فارس عليه تاج، وحوله كتابة فارسية، فطلب من يقرأ، فأحضر رجل فنظر فإذا فيها فقطب وسكت وقال لا معنى له، فألح المنتصر عليه، قال فيها أنا شيرويه بن كسرى بن هرمز قتلت أبي فلم أمتع بالملك سوى ستة أشهر، قال فتغير وجه المنتصر وقام، وقال جعفر بن عبد الواحد قال لي المنتصر يا جعفر لقد عوجلت فما أذني بأذني، ولا أبصر بعيني، وقال عنه الإمام الذهبي أيضا تحيلوا، أي الأتراك إلى أن دسوا إلى طبيبه ابن طيفور ثلاثين ألف دينار عند مرضه فأشار بفصده، ثم فصده بريشة مسمومة فمات منها، ويقال إن ابن طيفور نسي ومرض وإفتصد بتلك الريشة فهلك والجزاء من جنس العمل.