في رحاب المقدمة ( ابن خلدون). العرب و حب الرياسة

مصطفي حداد
في مقدمته الشهيرة ، تحذت عبد الرحمان ابن خلدون عن العرب و اختلافات طبائعهم، و وصف حالهم و أحوالهم في القرن الرابع عشر ميلادي ، القرن الذي شهد عبقرية الفيلسوف المسلم الكبير.
{ العرب و الخراب} يقول ابن خلدون إن العرب إذا تغلبوا على أوطان أسرع إليها الخراب، وقد أرجع ذلك إلى طبيعة العرب القاسية ، بسبب خلق التوحش المتأصل فيهم، حتى إنهم متى ملكوا تقوض عمرانهم الذي بنوه و اقفر ساكنه أي خلا بسبب نزوع العرب إلى التدمير و التخريب، و استدل ابن خلدون على ذلك ببني هلال و بني سليم، الذين حين اجتاحوا بلاد المغرب خربوها و كان ذلك في القرن الخامس الهجري.
{العرب والفرار من الزحف} إن العرب لا يتغلبون إلا على البسائط ، رأى ابن خلدون أنه بسبب طبيعة التوحش فيهم، ينفر العرب من المخاطر و لا يذهبون إلى المزاحفة إلا دفاعا عن النفس.
{ العرب و حب السلطة} فهم متنافسون في الرئاسة ، و قل أن يسلم أحد منهم الأمر لغيره ، ولو كان أباه أو أخاه أو كبير عشيرته، إلا في الأقل و على كره.
اعتبر ابن خلدون أن العرب متنافسون في الرئاسة و الزعامة ، تواقون إليها يعتبرونها تشريفا لا تكليفا، و لا يحبون المحاسبة أو المراقبة، مستشهدا ببنية الدولة عند العرب في القرون الوسطى، و إهمالهم مراقبة سلوكيات الحكام و أصحاب المناصب ذات الشأن.
{العرب و الدين} اعتبر ابن خلدون أن العرب لا يحصل لهم الملك إلا بصيغة دينية، من نبوة أو ولاية أو أثر عظيم من الدين على الجملة، بسبب خلق التوحش الذي فيهم، و هم أصعب الأمم انقيادا لبعضهم البعض، للغلفة و الأنفة و الهمة، و المنافسة في الرياسة، فقلما تجتمع أهواؤهم.
{طبيعة العرب المتوحشة } دفعت ابن خلدون إلى الجزم بأنهم لا يخضعون لأحد، إلا بتهديد القوى الغيبية العضمى، و أنهم لا يحدث لهم الملك و المكانة و الشأن الكبير ، إلا بدعوة دينية خالصة، ويرى أن دعوات الدين وحدها تحرك العرب نحو الأشياء العظيمة الملهمة التي يقومون بها، و تلك الإنجازات التي حققوها عبر تاريخهم.
لقد استنكر كثيرون وصف ابن خلدون للعرب، و اعتبروه ذما صريحا لهم و حطا من شأنهم، فيما عده آخرون تحليلا إجتماعيا و تاريخيا، ينطبق على حال العرب اليوم. وقد تناول ابن خلدون في توطئه لمؤلفه الضخم ( كتاب العبر) حيث تناول فيه جميع ميادين المعرفة من الشريعة و التاريخ و الجغرافيا و الإقتصاد و العمران و الإجتماع و السياسة و الطب، و أحوال البشر و اختلاف طبائعهم و البيئة و أثرها في الإنسان، وتناول أيضا بالدراسة تطور الأمم و الشعوب و نشأة الدولة و أسباب انهيارها، وبهذا الكتاب سبق ابن خلدون غيره من المفكرين إلى العديد من الآراء و الأفكار ، حتى اعتبر مؤسسا لعلم الإجتماع سابقا بذلك الفيلسوف الفرنسي أوغست كونت.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *