عن ديمقراطية الغرب: شعارات براقة أم واقع مزدوج؟

بقلم: روعة محسن الدندن
كثيرًا ما يُقدَّم الغرب على أنه النموذج الأعلى في الديمقراطية، والتنوع، والانفتاح، والمساواة بين المواطنين بغض النظر عن الدين أو العرق أو المظهر.
لكن حين ندخل إلى التفاصيل، وننظر لا إلى شعارات الديمقراطية، بل إلى ممارساتها الفعلية، نجد واقعًا آخر… واقعًا لا يخلو من انتقائية، وتضييق ناعم، وأبواب تُفتح للبعض وتُغلق بوجه آخرين، ولو كان ذلك تحت غطاء “القانون” و”العُرف السياسي”.
أولاً: ديانة الحاكم؟ خط أحمر!
في كثير من الدول الغربية، رغم كل الحديث عن فصل الدين عن الدولة، لا يزال العُرف أو الدستور ذاته يُقصي أي احتمال لوصول شخص من دين “مختلف” إلى سدة الحكم:
في بريطانيا: الملك (رأس الدولة) يجب أن يكون بروتستانتيًا أنغليكانيًا، ولا يُسمح له بالزواج من كاثوليكي حتى عهد قريب.
في أمريكا: رغم عدم وجود مادة دستورية تمنع مسلمًا أو يهوديًا أو بوذيًا من الترشح للرئاسة، إلا أن الواقع يُظهر أن أي مرشح “غير مسيحي أبيض” يُعامل تلقائيًا كخطر انتخابي أو غير مؤهل نفسيًا وسياسيًا.
متى سمعنا عن رئيس مسلم أو يهودي أو حتى ملحد حقيقي في أمريكا؟ لم يحدث.
باراك أوباما نفسه – رغم أنه مسيحي – قضى سنوات في نفي التهم بأنه “مسلم”، وكأنها تهمة وليست مجرد ديانة!
فرنسا: العلمانية صارمة، لكن أي مرشح مسلم تُراقب كل تفاصيله: لباس زوجته، ماضيه الديني، أقاربه في الشرق… حتى مجرد اسمه يُعد مادة للنقد!
إذن، من يهاجم الشرق بأن «الدين يتدخل في السياسة» عليه أن يسأل الغرب أولًا:
هل يمكن أن نرى في أمريكا رئيسًا شيعيًا؟ في فرنسا رئيسًا مسلمًا؟ في ألمانيا مستشارًا يهوديًا؟
الإجابة العملية: لا. ليس لأن الدستور يمنع، بل لأن الوعي العام لا يتقبّل ذلك.
ثانيًا: التنوع في الحكومات؟ نعم… ولكن!
في الغرب، لا يُفرض على الحكومات أن تكون متنوعة طائفيًا أو عرقيًا، بل تُشكَّل حسب نتائج الانتخابات والأحزاب، وحتى إن جاءت من لون واحد (سياسيًا أو ثقافيًا)، فلا أحد يعتبرها “مشكلة وجودية”.
حكومة جورجيا ميلوني في إيطاليا: يغلب عليها الطابع المحافظ القومي، لا وجود حقيقي لأقليات أو تنوع طائفي.
حكومات بولندا والمجر: تتشكل من طيف ثقافي وديني واحد (كاثوليكي أبيض)، ولا أحد يطالبهم بوزير أفريقي أو مسلم.
حتى في دول تُعتبر منفتحة: ألمانيا، فرنسا، بريطانيا – تنوّع الوزراء ليس إلزامًا قانونيًا، بل خيار سياسي إذا شاء الحزب الحاكم ذلك.
لكن حين يأتي الأمر إلى بلادنا، تصبح الحكومة “من لون واحد” مشكلة… حتى لو كانت نتاج أغلبية سكانية، أو تحالفات سياسية، أو حتى كفاءات فعلية!
ثالثًا: اللباس والمظهر؟ حرية عندهم، تهمة عندنا!
حين تظهر مسؤولة غربية بحجاب، أو محافظ شرقي بزيه التقليدي، في الغرب يُقال: “حرية شخصية، احترام للتعدد الثقافي”.
حليمة يعقوب، رئيسة سنغافورة، كانت محجبة ومثلت بلدها بكرامة في العالم.
موغيريني، وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي، كانت ترتدي الأسود الطويل دون أن يُقال عنها “رجعية” أو “متدينة متشددة”.
لكن في بلادنا، إن ارتدت وزيرة الحجاب، أو ظهر دبلوماسي بلحية، يُقال فورًا:
“علامة على الانغلاق، اختطاف ديني، مؤامرة سلفية!”
لماذا؟
لأن البعض لا يرى بالعين، بل بالأيديولوجيا.
رابعًا: الكفاءة أم الشكل؟
في كل دول العالم، الكفاءة هي ما يُفترض أن يحدد من يشغل المناصب العليا. لكن حين يتحوّل الحديث عن “التنوع” إلى مطلب قسري يهدف لا لتحقيق العدالة بل لضمان حصص طائفية، فإننا لا نكون أمام ديمقراطية، بل أمام تقاسم نفوذ.
العدالة الحقيقية ليست بأن “نوزّع” المناصب حسب الطوائف، بل بأن نضمن أن كل مواطن، مهما كانت ديانته أو خلفيته، يمكنه أن يصل لمنصب رفيع إذا امتلك الكفاءة.
خلاصة لا بد منها:
الغرب ليس مدينة أفلاطون.
ومشكلتنا ليست في “غياب التنوع”، بل في استخدامه كسلاح انتقائي للطعن والتشكيك حين لا تخدم موازين القوى بعض الأطراف.
دمشق ليست كابول، ولا باريس.
هي مدينة بتاريخها وهويتها، تتسع لكل أطيافها حين نرتقي بفهمنا للمواطنة من الشكليات إلى الجوهر.
فالكفاءات لا دين لها
واللباس لا يُقصي
والأغلبية ليست عيبًا
والتعدد لا يُصنع بالإكراه