آخر نفس

بقلم / محي الدين محمود حافظ
بين واقع لمس قلبه
ويقين بين يديه
مشي وحيدا كعادته
متثاقلة خطواته
فقد علم بأن أنفاسه
بين ضلوعه أصبحت
معدوده و محسومه
ولا جدوي من إحتمال
آلام الحقن الكيماوي
فقد إنتشر الورم اللعين
و إحتل كامل كيانه
و نظر مبتسما إلى يديه
الممسكة بتقريره الطبي
و رماه بمحاذاة النهر الجاري
أمامه فتوقف هامسا لنفسه:
” لم أر جمال ضياك
وفيضك إلا الآن..لم؟!
عشت عمري أراك و لا أبصرك
وأشربك ولا أرتوي؟
تماما كحبيبتي كيف رحلت؟
تفاخرت بشبابي و مالي
تعاليت بقوتى ونفوذي
ولم أهتم بمن أحبتني
لنفسي فقط،، كيف غفلت؟!
ولِمَ لا أري في النهر سوي
انعكاس طيفها ؟
أهو هذيان سكرات الموت؟!
رحيق شعرها المترامي علي كتفيها
لم لا تفارق أنفي؟!
لِمَ تركتها ، و لِمَ تركتني؟!
لِمَ فيض المشاعر يموج بمشاعري كموج النهر ؟!
أحبك أعلنها للنهر
كوصية أخيرة لشاب وقته حان
هزمه غروره و مضي وقت ندمه
و في خضم صراعة مع نفسه
سالت منة دمعة فصرخ :
عشت قويا، لا أهاب الموت
لِمَ لَمْ أقاوم نزولك ؟
ألهذا الحد هانت علي نفسي
أين ثباتي؟
أموت واقفا و لا تهبط دمعة تحرق وجنتي!
هنا سمع همس في أذنه كأنه يقين قائلا :
أتهاب الموت ؟
قال : لا من تألم ألمي تمناه
ردت عليه نفسه: أعشتَ مرتين ؟
قال بصوت عالٍ، و عينه إلى النهر
كيف السبيل لذلك ؟!
والتفت يمينا ويسارا
لم يسمع ردا فنظر الي جريان النهر
فهمست نفسه قائله : نعم لك حياة
إسمعها بوضوح ….. هنا قال للنهر : أأنت من يحدثني أم نفسي أم هذيان عقلي و بقايا أنفاسي بين ضلوعي؟!
همس الصوت بين أذنيه حانيا
ِبرٌّ لا يبلي، كل شيء يبلي إلا البر
إن أردت حياة أخري فالسر يجري
بين ضلوعك و بقايا أنفاسك
أتَرَى جريان النهر أمامك
لا يتوقف منذ أن خلقت الأرض
كن بقية أنفاسك، كن كالنهر في عطائك،
كن ومضة و أرحل، و عش ذكري لا تنسي
في قلب اليتامي
أسعِد غيرك، واستر متعففا
كن آخر نفس ينبض
وساعد طفلا بأول دقة
لقلب سليم كن نفسك
صلِّ لربك و ارضَ بقدره
وحدث حبيبتك مرة أخيرة
وقل لها أحبك ولاتتعجب
شيئان – يا عبدا فانيا – :
دموعك لن تحرقك
و رحيق حبيبتك سيسكرك
صمتَ النهرُ و توقف جريانه
فقد كانت آخر أنفاسه شاخصه أمام النهر
بقلم
محي الدين محمود حافظ
بر لا يبلي
ادعموا مرضي السرطان

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *