عذرا سيدتي الزوجة.

كتب / عاطف البطل .
لقد كان سعيدا قبل زواجه، ولكن بعد الزواج أصبح حزينا، بل شقيا محروما، فليته لم يتزوج، وما كان له أن يتورط … إذ تبدلت الأحوال من حال إلى حال.
تلك عبارات اعتدنا مؤخرا على سماعها وربما مشاهدتها عبر فيديوهات قصيرة عن العلاقة بين الزوجة وزوجها، وقد تحولت العلاقة لسخرية واستهزاء في بعض الحالات، وأضحت مجالا للتندر والاستهزاء وما ينبغي أن يكون ذلك.
عباراتٌ يرددها كثير من الشباب، وتلوكها ألسنة أشباه الرجال، بل ويتهمون الزوجة باتهامات مزعومة ويدعون أنها شيطان رجيم، وهي بعيدة كل البعد عن تلك المزاعم، فما هي بشيطان، وإنما هو ذلك الشيطان الذي نشأ وترعرع في بيئة سيئة.
وقد أمضّني كثيرا رؤية بعض الأسر التي لديها شاب سيئ الخلق، مقبل على الزواج، وتبحث هذه الأسر جاهدةً عن زوجة لابنها السيئ، على أن تكون ذات خلق؛ كي يتزوجها، وما أرادوا لها إلا أن تتورط، فلا حبذا الابن ولا حبذا أسرته!
ويا له من ظلم بيّن، وغش وخداع، وكذب وتضليل، قد ارتكبه هؤلاء جميعهم في حق تلك الزوجة، التي ابتليت بحياة بائسة مع ذلك الشقي المأفون، فما ذنبها كي يكون مصيرها مرتبطًا بذلك الشقي؟؟ فهذه حالات موجودة بكثرة في مجتمعاتنا، فاحذروها.
إن الزوجة ربما تكون زوجتك، وقد تزعم أن ما لا يعجبك فيها أكثر مما يعجبك، وأن ما تكرهه فيها أكثر مما تحبه، وربما تشتكي عدم طاعتها أو انقيادها لك بسهولة وربما تشتكي إهمالها لك بعد فترة من الزواج، وخصوصا بعد إنجاب أطفال، وربما تشكو كثرة أنينها ودموعها حين تناقشها وتحتد في جدالها، والأمر قد يطول لدى بعضنا؛ فيعيش حياة بائسة بلا روح ولا شعور، بل يتطور الأمر أحيانا ويزداد تعقيدا، وربما ينتهي بنهاية حياة آمنة، كانت الزوجة فيها السكن وكانت المودة.
ولذلك علينا أن نتعرف إلى طبيعة المرأة كما خلقها الله وهيأها؛ لأننا لو عرفنا ذلك، لما طلبنا منها ما نطلبه من الرجل، بل لرحمناها، وأشفقنا عليها أكثر، فهي الأم الحنونة الصابرة والزوجة المجاهدة معك ومع أولادها، في رعايتهم وتربيتهم، وهي الأخت التي لا تدخر جهدا في مساندة أخيها، وهي البنت التي تفيض حنانا ورقة على والديها.
وهناك أمور لا يمكن للمرأة أن تكون فيها مثل الرجل، وكذلك الرجل لا يمكن أن يؤدي دور المرأة في أحيان كثيرة، ليس لعيب فيهما، بل هي فطرة الله التي اقتضت أن يميز كليهما عن الآخر؛ حتى تستمر الحياة بشكل طبيعي.
على أنني آثرت إلا أن أستشهد بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم عن المرأة، هذا الحديث الذي يستخدمه البعض ضد المرأة في سياقات خاصة لمصلحتهم الخاصة، إذ قال – صلى الله عليه وسلم: “واستوصوا بالنساء خيرا، فإنهن خلقن من ضلع أعوج، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمُه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء خيرا “.
فالرسول – صلى الله عليه وسلم يخبرنا أن المرأة خلقت من ضلع أعوج، وإن هذا العوج من طبيعة المرأة وفطرتها، فإذا أراد الرجل أن يقيمه أخفق ولم ينجح مهما فعل، بل ينكسر الضلع. فهكذا أراد الخالق – تبارك وتعالى.
وقد يقول قائل هذا دليل مؤكد على نقص في المرأة، ويتخذ ذلك ذريعة على السخرية منها أو الاستهزاء بها، ونسي تماما وصية الرسول – صلى الله عليه وسلم: “استوصوا بالنساء خيرا ” فهي وصية واجبة على الجميع، فما أكرمهن إلا كريم، وما أهانهن إلا لئيم.
لقد أراد الله -سبحانه وتعالى اكتمال الحياة بين الرجل والمرأة، ففي المرأة نقص في جانب، ووفرة في جوانب عدة، وكذلك الرجل لديه نقص ولديه وفرة، فما ينقص في المرأة يتوفر في الرجل، والعكس صحيح؛ حتى يتقابلا ويكملا بعضهما، وهكذا..
إنّ كلمة العوج التي أشار إليها رسولنا العظيم في حديثه، تذكرنا بصورة الأم التي ترضع طفلها، فهل ترضعه وهي منتصبة القامة، هل تلبسه ثيابه وهي منتصبة القامة، وكيف تضمه إلى صدرها لترويه طعاما وحنانا، وهي منتصبة القامة!
هذه صور عديدة نستحضرها في أذهاننا، وننحني أمامها؛ لندرك أن المرأة إذا خلت من العوج فإن هذه الصور كلها قد تختفي، فهل تخيلنا ما يحدث، وهل تستطيع أيها الرجل أن تقوم بما تقوم به الزوجة!
إننا نلاحظ أن جميع الأعمال التي تتطلب من الأم رعاية ابنها، تقوم بها وهي منحنية القامة، وهذا ربما يفسر سر خلقها من ضلع أعوج، والله أعلم.
وإذا بحثنا في معاجمنا العربية وجدنا أنّ كلمة العاطفة ترتبط بالعوج، فأصلها “عَطَف” ومنها اشتق المنعطف، وهو المنحني، وفي لسان العرب: عطفت رأس الخشبة فانعطف، أي حنيته فانحنى. وكلمة الحنان تحمل معنى العاطفة والعوج أيضا، تقول العرب: “انحنى العود وتحنى: انعطف”.
أيُها الزوج النبيل، اعلم بأن الزوجة مثل الطبيعة، فيها الري والنماء والخير، وقد يكون فيها الزلازل والبراكين، كن صادقا معها، تكتسب ثقتها وحبها، وافهم احتياجاتها، فكما قالوا: مقبرة المرأة رجل لا يفهم، ومقبرة الرجل امرأة لا ترحم. ولا تنس بأن الصدق أساس لكل الفضائل الإنسانية، وإياك أن تقلل من شأنها، واحترمها دائما وإن خالفتها في رأيها، وحينئذٍ سوف تغدق عليك عطفها وحنانها، واحذر أن تظلمها أو أهلها، عند حدوث خلاف معها.
قم بواجبك دائما، وكن رجلا نبيلا في رضاك وغضبك، وابتسم دوما في وجهها، واصبر إن لم تعجبك بعض تصرفاتها، إن عاملتها هكذا، فثق بأنها سوف تكون كما تريد في رضاها وغضبها.