القلوب الطاهرة الجميلة

بقلم / محمـــد الدكـــروري

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وصفيه وخليله، بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده وعبد ربه مخلصا حتى أتاه اليقين، فاللهم صلي وسلم وبارك عليك يا سيدي يا رسول الله ثم أما بعد، لقد تم عزل الصحابي الجليل أبا عبيدة بن الجراح أمين الأمة رضي الله عنه، وتولى مكانة قيادة الجيوش القائد الصحابي الجليل سيف الله المسلول خالد بن الوليد، وانظر كيف وضعه الخليفة الراشد الأول أبي بكر الصديق فقد جعله مكان أمين هذه الأمة، وكانت هذه رؤية الصديق رضي الله عنهم جميعا، وهذه هي نظرته.

فقد رأى أن خالدا رجل الساعة، وهو أولى من أبي عبيدة بالقيادة، فليتقدم خالد، وليتأخر أبو عبيدة، وهذا التأخير لأبي عبيدة لا يقدح فيه أبدا، ولا يقلل من قدره، ولا من شأنه، فأرسل الصديق رسالة جميلة رائعة إلى أبي عبيدة بن الجراح، فيقول بعد ما حمد الله، وأثنى عليه، وصلى على نبيه عليه الصلاة والسلام، أما بعد، فمن أبي بكر عبد الله بن أبي قحافة، إلى أبي عبيدة بن الجراح، سلام الله عليك، وبعد فإني قد عزلتك، ووليت خالد بن الوليد على قيادة الجبهة في بلاد الشام، فاسمع له وأطع، ووالله ما وليت خالد بن الوليد الإمارة إلا لأني ظننت أن له فطنة في الحرب ليست لك، وأنت عندي يا أبا عبيد ة خير منه، أراد الله بنا، وبك خيرا والسلام” فصلى الله وسلم على من ربى وعلَّم هؤلاء الأطهار الأبرار.

فما هذه القلوب المتجردة؟ وما هذه القلوب الطاهرة الجميلة؟ وهكذا يصبح أبو عبيدة جنديا مطيعا بعد أن كان بالأمس القريب قائدا مطاعا، ألم يفكر أن يقوم بإنقلاب على الصديق؟ لا والله ولا على خالد، لا والله، فهم لا يعملون من أجل الدنيا، فما كانت تحركهم الكراسي، وحب الزعامات، ولا المناصب، وحب الولايات، بل يود أحدهم أن يبذل روحه لدين الله أيّا كان موقعه على الساحة، وفي الساحة، وسبحان الله، يتوفى الصديق، ويتولى الخلافة من بعده فاروق الأمة الأواب الصحابي الجليل والخليفة الراشد الثاني عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وها هو عمر الملهم له رؤية أخرى، يرى أنه لا يتقدم أحد البتة على أبي عبيدة أمين هذه الأمة، ولو كان من كان.

فما كان منه إلا أن عزل خالدا وولى أبا عبيدة مرة أخرى، فيا ترى ماذا كانت النتيجة؟ وهل هناك ردود فعلية أو شخصية؟ كلا وألف كلا، فما كان والله أصحاب محمد عبّاد كراسي، فما كان من سيف الله خالد بن الوليد إلا أن تنازل عن القيادة لأخيه الأمين أبي عبيدة، ليصبح خالد بن الوليد نفسه جنديا مطيعا بعد أن كان بالأمس القريب قائدا مطاعا، وهو الذي خاض أكثر من مائة معركة وما هزم في واحدة منها، فلا والله ما تنكر ولا إستنكف للفاروق عمر، وإغتر وإستكبر، بل إنه لما علم أن أبا عبيدة تأخر عليه بالخبر، قال لما لم تخبرني يا أبا عبيدة؟ فو الله ما قاتلت بالأمس لعمر، ولن أقاتل اليوم لعمر، ولكني أقاتل لله رب العالمين، فالله أكبر فهذه هي الأمانة وهذا هو التجرد والصفاء.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *