وأولئك هم المهتدون

بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله الذي تفرد بالعز والجلال، وتوحد بالكبرياء والكمال، وجلّ عن الأشباه والأشكال، أذل من اعتز بغيره غاية الإذلال، وتفضل على المطيعين بلذيذ الإقبال، بيده ملكوت السماوات والأرض ومفاتيح الأقفال، لا رادّ لأمره ولا معقب لحكمه وهو الخالق الفعال، وأشهد إن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو علي كل شيء قدير هو الأول والآخر والظاهر والباطن الكبير المتعال، لا يحويه الفكر ولا يحده الحصر ولا يدركه الوهم والخيال، وأشهد أن سيدنا وحبيبنا وشفيعنا محمدا عبد الله ورسوله وصفيه من خلقه وحبيبه الذي أيده بالمعجزات الظاهرة، والآيات الباهرة، وزينه بأشرف الخصال، وعلى آله وأصحابه ومن سار على نهجه وتمسك بسنته واقتدى بهديه ومن اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين ونحن معهم يا أرحم الراحمين، ثم أما بعد.
إن سنة الله تعالى ماضية على خلقه وعبيده، جعل للدنيا نهاية، وللآخرة بداية، فجعل الاولى دار عمل، و جعل الاخرة دار جزاء، وإنه لا بد من إستقرار هذه الحقيقة في النفس وهي حقيقة أن الحياة في هذه الأرض موقوتة، محدودة بأجل ثم تأتي نهايتها حتما يموت الصالحون ويموت الطالحون، ويموت المجاهدون ويموت القاعدون، ويموت المستعلون بالعقيدة ويموت المستذلون للعبيد ، ويموت الشجعان الذين يأبون الضيم ، ويموت الجبناء الحريصون على الحياة بأي ثمن، ويموت ذوو الإهتمامات الكبيرة والأهداف العالية ويموت التافهون الذين يعيشون فقط للمتاع الرخيص، فالكل يموت، وكل نفس تذوق هذه الجرعة، وتفارق هذه الحياة، فإنه لا فارق بين نفس ونفس في تذوق هذه الجرعة، إنما الفارق في شيء آخر، الفارق في قيمة أخرى، فالفارق في المصير الأخير وهو قول الله تعالي ” وإنما توفون أجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز ”
وهذه هي القيمة التي يكون فيها الإفتراق وهذا هو المصير الذي يفترق فيه فلان عن فلان، القيمة الباقية التي تستحق السعي والكد، والمصير المخوف الذي يستحق أن يحسب له ألف حساب، فبما نه مصير وسنة فلا حاجة إذن للإعتراض فصاحب المُلك احق بملكه، ونحن ملكه، وما ينجيك الا الرضا والصبر، ولا يضنيك الا السخط والجزع، ثم لا جدوى منهما، فسارعت الآيات بالتنبيه والأحاديث بالتفصيل في أحكام من ألمّته مصيبة الموت ونقف عندها على محاور، فالمحور الاول وهو فضل الصبر وجزاء الصابرين، فقال تعالي ” الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون” والمصيبة هنا في هذه الاية الكريمة هي كل ما يؤلم القلب أو البدن أو كليهما، ومن ذلك موت الأحباب والأولاد والأقارب والأصحاب، ومن أنواع الأمراض في بدن العبد أو بدن من يحب يدخل ضمن المصيبة ايضا، فجزاء الصبر على ذلك هو الرحمة.
أي عليهم صلوات الله ثم رحمة عظيمة، ومن رحمته إياهم أن وفقهم للصبر الذي ينالون به كمال الاجر، فيقول تعالي ” وأولئك هم المهتدون” الذين عرفوا الحق، وهو علمهم بانهم لله وانهم اليه راجعون وعملوا به ،وهو هنا صبرهم لله تعالي، ففي الاية الاطلاق بمحبة الله عز وجل للصابرين ، الذين يصبرون على لأواء الحياة ومتاعبها، وكيف لا يرجى حب الله وهو الذي اعطى وانعم؟ وكيف لا يبتغى حب الله وهو الذي اغنى واكرم؟ وكيف لا وهو مالك الملك؟ ثم هذا جزاؤه، يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب وهذا لا يكون الا لمن صبر إبتغاء وجه الله سبحانه، ويقول الشيخ محمد الغزالي إحساس المؤمن بأن زمام العالم لن يفلت من يد الله يقذف بمقادير كبيرة من الطمأنينة في فؤاده، إذ مهما إضطربت الأحداث وتقلبت الأحوال فلن تبتّ فيها إلا المشيئة العليا والحق أنه لا معنى لتوتر الأعصاب وإشتداد القلق بإزاء أمور تخرج عن نطاق إرادتنا، ومن ثم ينبغي أن نستقبل الدنيا بيقين وشجاعة .