اكتشاف بوابة خلوية جديدة قد يُحدث ثورة في سلامة وفاعلية العلاج الجيني

في اكتشاف رائد قد يعيد تشكيل مستقبل العلاج الجيني؛ حدد علماء من معهد «سينتينياري» وجامعة سيدني في أستراليا مستقبلات خلوية لم تكن معروفة من قبل قد تمهِّد الطريق لعلاجات أكثر أماناً وأرخص وأكثر فاعلية للأمراض الوراثية الخطيرة.
مستقبِلات خلوية غير معروفة
وكشفت الدراسة عن مسار جديد إلى الخلايا البشرية عبر مستقبلات تسمى AAVR2. ويبشر هذا الاكتشاف بتحسين العلاجات الجينية التي تستهدف أمراضاً مثل ضمور العضلات الدوشيني Duchenne muscular dystrophy (DMD) (نوع حاد من ضمور العضلات يصيب الفتيان بشكل أساسي)، ومرض بومبي Pompe disease (أو ضمور العضلات الحزامي 2V هو اضطراب استقلابي جسمي متنحي)، والهيموفيليا hemophilia (هو اضطراب وراثي في الغالب يُضعف قدرة الجسم على تكوين جلطات الدم وهي عملية ضرورية لوقف النزيف) من بين أمراض أخرى.
ونُشرت الدراسة في المجلة المرموقة «Cell» في 14 يوليو (تموز) 2025 برئاسة تشارلز بيلي، من كلية العلوم الطبية بكلية الطب والصحة بجامعة سيدني بأستراليا وآخرين.
مسار جديد إلى الخلايا البشرية
غالباً ما يعتمد العلاج الجيني على فيروسات معدَّلة جينياً غير ضارة تُعرف باسم الفيروسات المرتبطة بالغدة الدرقية adeno-associated viruses (AAVs) لنقل جينات سليمة لتحل محل الجينات المعيبة في جسم المريض. وأظهرت هذه العلاجات إمكانات تغيير الحياة.
ومع ذلك فإن أحد القيود الرئيسية لهذه العلاجات هي الجرعات العالية اللازمة لفاعليتها التي يمكن أن تؤدي في بعض الأحيان إلى استجابات مناعية خطيرة أو التهاب الأعضاء أو حتى الوفاة.
وقد حددت الأبحاث الجديدة التي قادها الدكتور بيجاي دهونغل، بمختبر السرطان وتنظيم الجينات، والدكتور تشارلز بيلي، وكلاهما من كلية العلوم الطبية في كلية الطب والصحة جامعة سيدني بأستراليا، نقطة دخول خلوية بديلة لهذه الناقلات الفيروسية هو مستقبل «AAVR2»، حيث لم يكن هناك حتى الآن مستقبل رئيسي سوى مستقبل واحد معروف يساعد الفيروسات المرتبطة بالغدة الدرقية على دخول الخلايا.
وقال الدكتور دهونغل، الباحث في مركز الأمراض النادرة والعلاج الجيني التابع لمعهد «سينتينياري» وجامعة سيدني: «إنه اكتشاف تاريخي. لقد وجدنا أن أنواعاً معينة من الفيروسات المرتبطة بالغدة الدرقية يمكنها استخدام هذا المستقبل المكتشف حديثاً (AAVR2) للدخول إلى الخلايا، مما يوفر مساراً جديداً تماماً لنقل الجينات».
أهمية الاكتشاف
وقد تعني القدرة على استخدام مستقبل «AAVR2» لنقل الجينات أن الجرعات اللازمة من الفيروس لتحقيق النتائج العلاجية ستكون أقل. وتعني الجرعات الأقل آثاراً جانبية أقل، ومخاطر أقل للمضاعفات المناعية، وتكاليف أقل، مما قد يجعل العلاجات الجينية في متناول المرضى في جميع أنحاء العالم.
واستخدم الفريق تقنيات متقدمة في علم الوراثة والبيولوجيا الجزيئية والكيمياء الحيوية لإثبات كيفية عمل المستقبل وكيفية تفاعل أنواع مختلفة من الفيروسات المرتبطة بالغدة الدرقية معه. وأظهروا أن المستقبِل يلعب دوراً رئيسياً في مساعدة الناقلات الفيروسية على دخول الخلايا البشرية بشكل أكثر كفاءة خصوصاً في الأنسجة التي تستهدفها العلاجات الجينية عادةً.
علاوة على ذلك لم يكتفِ العلماء باكتشاف المستقبِل. بل ذهبوا إلى أبعد من ذلك بإنشاء نسخة مصغرة من المستقبِل يمكنها تحسين توصيل العلاج الجيني بشكل أكبر. وبناءً على ذلك قال الدكتور بيلي الذي يرأس أيضاً مركز الأمراض النادرة والعلاج الجيني: «لقد صممنا نسخة مدمجة من المستقبِل، وأثبتنا أنها تحسن بشكل كبير من كفاءة امتصاص الخلايا والأنسجة البشرية للعلاجات الجينية. وهذا قد يؤدي إلى علاجات أكثر دقة وفاعلية».
التأثير في العالم الواقعي
لهذا الاكتشاف آثار واسعة النطاق على مجال العلاج الجيني. فمن ناحية يمكن أن يحسن من مستوى سلامة العلاجات الحالية التي تعتمد على جرعات فيروسية عالية. وقد يتيح للعلماء تصميم ناقلات أفضل مصمَّمة خصيصاً لتلبية احتياجات المرضى أو استهداف أمراض معينة.
وقد أدت العلاجات الجينية التجريبية في بعض الحالات المأساوية إلى آثار جانبية خطيرة بسبب تفاعلات الجهاز المناعي مع الجرعات الفيروسية الكبيرة. وقد يساعد هذا المسار الجديد على التغلب على هذه العوائق من خلال السماح بجرعات أقل مع الحفاظ على التأثير العلاجي.
وقال الدكتور دهونغل: «قد تساعدنا هذه المعرفة على تصميم علاجات جينية أكثر تخصيصاً ودقة. إذ إنها خطوة كبيرة إلى الأمام في تحسين نتائج المرضى وجعل هذه العلاجات المتقدمة متاحة على نطاق أوسع».
توسيع الفهم العلمي
كما يضيف هذا الاكتشاف أيضاً إلى الفهم الأوسع لكيفية تفاعل الفيروسات العلاجية مع بيولوجيا الإنسان، وهو مجال لا يزال يحمل الكثير من الألغاز. ومع استمرار الباحثين في تحسين أدوات العلاج الجيني فإن الحصول على فهم أعمق للآليات الجزيئية للتوصيل والامتصاص أمر بالغ الأهمية للعلاجات من الجيل التالي.
وبناءً على ذلك قال الدكتور بيلي إن هذا ليس مجرد تقدم طبي بل إنه تقدم بيولوجي. حيث إن فهم كيفية دخول الفيروسات إلى الخلايا يسمح للباحثين بالتلاعب بهذه العملية لصالحهم. وهذا هو مستقبل الطب الدقيق.
التطلع إلى المستقبل
بينما لا يزال اكتشاف مستقبل «AAVR2» في المراحل الأولى من التطبيق يأمل الباحثون أن يترجَم قريباً إلى بيئات سريرية حقيقية، حيث ستركز الدراسات المستقبلية على اختبار سلامة وفاعلية العلاجات الجينية المستهدفة بالمستقبِل في البشر.
ومع استمرار تطور العلاج الجيني يمكن أن تجلب مثل هذه الاكتشافات الأمل لملايين الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات وراثية نادرة ومدمرة.