الاغتسال بالماء البارد: بين الإعجاز الرباني والاكتشافات الطبية الحديثة

 بقلم: محمود سعيد برغش
في عالمٍ يزدحم بالنصائح الطبية والتجارب العلاجية، يظلّ القرآن الكريم والسنة النبوية مصدرًا خالدًا للهداية، يجمع بين البُعد الروحي والجسدي. ومن بين هذه الإشارات الربانية، ما ورد في قصة نبي الله أيوب عليه السلام، حين قال الله تعالى:
﴿ارْكُضْ بِرِجْلِكَ ۖ هَٰذَا مُغْتَسَلٌۭ بَارِدٌۭ وَشَرَابٌ﴾ [ص:42].
إشارة واضحة إلى أن للماء البارد دورًا في الشفاء والتجديد، سبق بها الوحيُ اكتشافات الطب الحديث بقرون طويلة.
القرآن الكريم أشار إلى أن الماء البارد كان شفاءً لأيوب عليه السلام، وهو شفاء بأمر الله، دلالة على أن الأسباب المادية إذا ارتبطت باليقين والإيمان تؤتي ثمارها.
في الحديث الصحيح، كان النبي ﷺ يدعو قائلاً:
«اللَّهُمَّ اغْسِلْ خَطَايَايَ بِالمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالبَرَدِ» (متفق عليه)، وفيه رمز إلى التطهير الروحي والجسدي.
العلماء فسّروا هذا الدعاء بأن الماء البارد يُطفئ حرارة الذنوب كما يُطفئ النار، فجمع بين المعنى المادي والمعنى المعنوي.
أثبتت أبحاث طبية حديثة أن التعرض للماء البارد بانتظام يُساعد الجسم في جوانب عدة، منها:
تنشيط الدورة الدموية: حيث يؤدي انقباض الأوعية الدموية بفعل البرودة إلى تدفق الدم بقوة عند عودة الدفء للجسم.
تحفيز المناعة: دراسة ألمانية (2020) أشارت إلى أن الاستحمام البارد يقلل من الإصابة بنزلات البرد بنسبة 30%.
تحسين التمثيل الغذائي: الماء البارد ينشّط الدهون البنية التي تستهلك الطاقة لتدفئة الجسم، ما يساعد في خفض الوزن.
دعم صحة القلب: التعرّض المعتدل للبرودة يحفّز عمل عضلة القلب ويحسن ضخ الدم.
التقليل من الالتهابات والآلام: ولهذا يُستخدم الثلج في العلاج الطبيعي بعد الإصابات والجهد العضلي.
الاغتسال بالماء البارد يُحفّز إفراز هرمونات السعادة (الإندورفين)، ما يُخفف التوتر ويُحسن المزاج.
بعض الدراسات (هولندا 2022) أثبتت أن السباحة في الماء البارد تقلل من أعراض الاكتئاب المقاوم للعلاج الدوائي.
يزيد من اليقظة الذهنية والتركيز، وهو ما يفسر نشاط الأشخاص الذين يبدأون يومهم بالاغتسال البارد.
شدّ البشرة وتأخير ظهور التجاعيد عبر تنشيط الدورة الدموية.
الحفاظ على الزيوت الطبيعية للشعر والجلد، ما يمنح مظهرًا صحيًا ونضرًا.
تقليل الانتفاخات وتورم العضلات بعد المجهود.
رغم فوائده العديدة، لا يُنصح به لمرضى القلب والشرايين أو كبار السن إلا بعد استشارة الطبيب، لأن التغير المفاجئ في درجة الحرارة قد يسبب مضاعفات.
يُفضّل البدء التدريجي: أي بالاغتسال بالماء الفاتر ثم التدرج للبارد، لتجنب الصدمة الحرارية.
يُستحب ممارسته بانتظام وليس بشكل مفاجئ أو متقطع.
الاغتسال بالماء البارد ليس مجرّد عادة صحية عابرة، بل هو توجيه رباني يكتشف العلم الحديث أسراره يومًا بعد يوم. يجمع بين شفاء الروح وتنشيط الجسد، وبين الوقاية والتجديد. وإذا كان الله قد جعل فيه شفاءً لأيوب عليه السلام، فهو بلا شك نعمة عظيمة تستحق أن تُدرج في أسلوب حياتنا، مع مراعاة الضوابط الصحية.
ما جاء في القرآن والسنة ليس مجرد إرشاد تعبدي، بل يحمل في طياته أسرارًا صحية عظيمة، تثبت أن الهدي الرباني سابق للعلم ومكمل له.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *