لماذا يصفق الكونجرس لنتنياهو قاتل الأطفال؟!

بقلم /عماد الدين حسين
جريدة الشروق
كيف يمكن أن نفهم وندرك ونستوعب أن غالبية أعضاء الكونجرس الأمريكى بمجلسيه يستمر فى التصفيق بلا توقف لرئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو، لمدة تقترب من الساعة، رغم أن غالبية بلدان وشعوب العالم تراه قاتلا ومرتكبا لجريمة الإبادة الجماعية بحق الشعب الفلسطينى خصوصا فى قطاع غزة منذ ٧ أكتوبر الماضى وحتى الآن؟!

وحتى هذه اللحظة فإن عددا كبيرا من العرب مندهش من الاستقبال الحافل لنتنياهو فى الكونجرس.

صحيح أن بعض أعضاء الكونجرس خصوصا من الديمقراطيين قد قاطعوا خطاب نتنياهو أو حضروا واحتجوا، لكن الغالبية العظمى من نواب المجلسين قد حضروا وصفقوا وأيدوا بصورة لم يفعلوها حتى مع أى شخصية أخرى.

من المهم أن نفهم أن تأييد غالبية أعضاء الكونجرس لإسرائيل يفوق حتى إجماعهم على أى قضية أمريكية داخلية بما فيها الرئيس الأمريكى نفسه!!!

لدرجة أن الوزير الفلسطينى السابق نبيل عمرو وصف عن حق الكونجرس بأنه تحول الى الكنيسيت الإسرائيلى الفعلى، فدرجة تأييد نتنياهو فى الكونجرس الأمريكى أكثر بكثير من تأييده فى الكنيست الإسرائيلى.

هذا وصف دقيق ونعرف أن غالبية أعضاء الحزب الجمهورى لا يرحبون بالرئيس الأمريكى جو بايدن إذا ذهب إلى الكونجرس كما فعلوا مع نتنياهو، ونتذكر أن رئيسة مجلس النواب السابقة نانسى بيلوسى قد أعطت ظهرها للرئيس الأمريكى السابق دونالد ترامب حينما ذهب متحدثا فى المجلس.

لكن نتنياهو تم استقباله استقبال الفاتحين فى الكونجرس ليس هذه المرة فقط، ولكن فى مرات ثلاث سابقة. ونتذكر أيضا أن نتنياهو فى المرة الماضية ذهب متحدثا فى الكونجرس من دون رغبة الرئيس الأمريكى الأسبق باراك أوباما، ووقتها كان رئيس الوزراء الإسرائيلى يخوض معركة ساخنة ضد أوباما لمصلحة المرشح دونالد ترامب.

ونعرف أيضا أن نتنياهو ذهب لواشنطن فى هذه المرة من دون رغبة الرئيس الأمريكى الحالى جو بايدن، بل ذهب للاستقواء بالكونجرس ضد بعض سياسات بايدن، توهما أن هذه الإدارة تضغط عليه للقبول بوقف إطلاق النار فى غزة.

نتذكر أيضا أن بايدن هو أكثر رئيس دعم إسرائيل منذ زرعها فى المنطقة عام ١٩٤٨.

هو أرسل لها حاملات الطائرات والسفن النووية وفتح لها مخازن السلاح وخزائن المال، بل وزارها وهى فى حالة حرب، وهو الأمر الذى لم يحدث من قبل. هو أيضا حماها باستخدام سلاح الفيتو فى مجلس الأمن ضد قرارات وقف إطلاق النار. ورغم كل هذه المساعدات فإن نتنياهو وائتلافه المتطرف يرى أن بايدن مقصر فى حق إسرائيل، لمجرد أنه جمد شحنة ذخيرة واحدة لإسرائيل خوفا من استخدامها ضد المدنيين الفلسطينيين الذين سقط منهم ٤٠ ألف شهيد و٩٠ ألف مصاب و٢ مليون نازح ومعظم الضحايا من الاطفال والنساء الأبرياء.

نتنياهو ذهب إلى الكونجرس وخطب فيهم وارتكب كل أنواع الأكاذيب والتضليل والاحتيال لكن غالبية النواب قاطعوه مرارا وتكرارا ليس للاحتجاج على ما قاله، ولكن لتحيته والإعجاب بما قاله.

وبالتالى نعود للسؤال الذى بدأنا به مرة أخرى.. كيف يمكن أن نفهم هذا التناقض الغريب؟! ربما يكون لفظ التناقض غير مطروح أساسا لدى غالبية نواب الكونجرس خصوصا فى الحزب الجمهورى، لأنهم يؤيدون إسرائيل بالحق وبالباطل، ويعادون من يعاديها، حتى لو كان أمريكيا، ويكفى أن نراجع موقف غالبية أعضاء الكونجرس ضد طلاب الجامعات الأمريكية الذين احتجوا على العدوان الإسرائيلى على غزة، بل وأجبروا العديد من إدارات هذه الجامعات على معاقبة قادة الاحتجاجات سواء كانوا طلابا أو أساتذة.

لا ننسى أيضا أن العديد من قادة الكونجرس كانوا يرفضون تقديم الدعم المالى لأوكرانيا، ولم يوافقوا إلا حينما قام البيت الأبيض بإدماج المساعدة مع المساعدات المخصصة لإسرائيل وهكذا تم التغلب على الاعتراضات الجمهورية على تقديم الدعم لأوكرانيا.

قد يسأل البعض ولماذا هذا الانحياز الأعمى من غالبية أعضاء الكونجرس ليس فقط لإسرائيل، ولكن للجرائم المستمرة بحق الفلسطينيين؟

التفسير المنطقى لهذا الموقف يصعب اختزاله فى سبب واحد. فهناك أبعاد مختلفة أهمها اللوبى اليهودى فى أمريكا وتأثيره الشامل فى الحياة السياسية والإعلامية والاقتصادية، وهناك البعد الدينى خصوصا أن غالبية النواب من البروتستانت الانجيليين الذين يؤمنون بأن عودة كل اليهود لإسرائيل هو شرط جوهرى لعودة المسيح وحسم معركة هرمجدون!

وهناك بعد اقتصادى يتمثل فى تأييد غالبية كبار المتبرعين لإسرائيل.

وهناك البعد الإعلامى، حيث يسيطر أنصار إسرائيل على غالبية وسائل الإعلام ومراكز الأبحاث المؤثرة. إضافة للدور اليهودى فى صناعة السينما والترفيه ووسائل التواصل الاجتماعى.

ويرتبط بكل ذلك غياب التأثير العربى والإسلامى إلى حد كبير لتوعية الأمريكيين بحقيقة الصراع مقارنة بما يفعله اللوبى المؤيد لإسرائيل.

هل معنى ذلك أن هذا التأثير المؤيد لإسرائيل كاسح ومستمر وأبدى؟ الإجابة هى لا. هو مهم ومؤثر ولكنه بدأ يفقد بعض تأثيره وقوته، بفعل التغير لدى العديد من الشباب الأمريكى خصوصا الجناح التقدمى فى الحزب الديمقراطى.

من المهم أن نفهم الواقع الأمريكى جيدا، لا نهول أو نهون، المعركة طويلة ويصعب اختزالها فى مشهد واحد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *