أهلك .. لتهلك

بقلم: خالد محمد الحميلي
في مجتمعاتنا العربية، كثيرًا ما نسمع قولهم: “الدم لا يصير ماء”…
لكن الواقع المرّ يقول العكس: أحيانًا، الدم نفسه يتحوّل إلى سُمٍّ باردٍ يُحقن في الظهر.
لم يعد العدوّ غريبًا، بل صار بعض الأقارب أبرع من الغرباء في الكيد والإيذاء.
فمن المؤلم أن يأتي الظلم لا من خصمٍ لا يعرفك، بل من لحمك ودمك، من أولئك الذين يفترض أنهم سندك، فإذا بهم يحيكون لك المكائد، ويدفعون المال لغيرهم كي يسيئوا إليك، بل وربما يستأجرون من يشهّر بك علنًا.
لقد تغيّر مفهوم “العائلة”.
فما كانت يومًا حصنًا يحتمي به الفرد، أصبحت عند البعض ساحةً لتصفية الحسابات، ومسرحًا للمصالح والغيرة والحسد.
يُؤلم أن ترى قريبك يفرح لسقوطك، ويبتسم حين تُهان، ويحرّض غيره على إذلالك وكأنك عدوّ لدود.
أيّ قلبٍ ذاك الذي يدفع مالًا لامرأةٍ تقف أمام المسجد لتشوّه سمعة أحد أبناء العائلة؟
أيّ شرفٍ بقي في صدورٍ تبيع الكرامة مقابل إشاعة؟
هؤلاء لا يدركون أن من يشهّر بالناس في العلن، يفضح نفسه قبل غيره، وأن من يزرع الفتنة بين الأرحام لا يُثمر له عمرٌ ولا يُكتب له بركة.
فالكلمة التي تخرج لتُهين، لا تعود، والنية الخبيثة مهما تجمّلت بالادعاءات، تفوح رائحتها بين الناس عاجلًا أو آجلًا.
إنها مأساة تتكرّر: حين يُظلم الإنسان من عائلته، يشعر أنه بلا وطن.
فالغريب حين يؤذيك، يمكنك أن تتجاوزه، لكن حين يأتي الجرح من قريبٍ يحمل اسم عائلتك، يكون الألم مضاعفًا — لأنك تفقد الثقة في الأصل نفسه.
إنّ أشدّ أنواع الظلم هو ظلم القريب؛ لأنه يطعن القلب وهو يعلم موضع الوجع.
ومع ذلك، يبقى النبل أن تترك للزمن حق الردّ، وأن تثق أن الله لا يخذل من ظُلِم بغير وجه حق.
فالمعركة مع الأقارب الظالمين لا تحتاج إلى صراخ، بل إلى صبرٍ وثباتٍ وصمتٍ واثق:
الصمت أحيانًا أبلغ من ألف دفاع، والكرامة لا تشتريها الأموال التي ينفقونها في التشويه.
وفي النهاية…
من قال “ابعد عن أهلك لتهلك” لم يقصد القطيعة، بل قصد أن بعض العائلات اليوم تقتل أبناءها بالحقد، وتدفنهم في مقابر الظلم وهم أحياء.
لكن الله لا ينام، والحق لا يُمحى.
قد يسكت الناس اليوم، لكن التاريخ لا ينسى، والسماء تحفظ الأسماء.