((وجهٌ مشرقٌ للإنسانية ))

كتب / عاطف البطل
كاتب صحفي ،عضو جمعية الصحفيين الإمارتية .
كانت عقارب الساعة تشير إلى العاشرة صباحا، حيث ذهبت إلى هناك قبل عدة سنوات ؛ وذلك لإنجاز إحدى المعاملات التي كنت أحتاج لإنجازها بشكل عاجل .
حيث نمى إلى علمي أنّ المكان حديث ويقدم الخدمات العاجلة مقابل دفع مبالغ إضافية …
وعندما دخلت، فوجئت أنّ المكان مزدحم جدا ،وكأنّ الناس على سفر ، النساء والرجال ، يحيطون بالمكان من كل حدب وصوب من الداخل والخارج ، حتى الأطفال الذين أتوا مع أمهاتهم قد اكتظ بهم المكان فتارة تسمع أنينهم، وتارة أخرى تسمع صرخاتهم، ولا يوجد إلا مقاعد قليلة وقد امتلأت جميعها ، ومن حولها الناس واقفون يتحدثون لعلهم يجدون في حديثهم عزاء لهم من معاناتهم .
كان الجو حارا ، والرطوبة شديدة ،بينما يجلس هو في مكتبه الزجاجي أسمع صوته وتحركاته …. استوقفتني ابتسامته فأنصتّ برهةً أرقبه عن كثب ،وقد بدا أنه من بيت أدب وعلم ، كان مبتسما بشوشا يتعامل بأدب ورقي مع الجميع ، رغم كثرة الناس من حوله ، هذا يسأل ، وذاك يريد توقيعا منه على استمارة ،وتلك تطلب المساعدة بالرأي والمشورة في موضوع قد أنهكها كثيرا بين ذهاب وإياب ولا تدري ماذا تفعل … ،وهذه تذهب …وتلك تأتي …. ، وهو لا يمل من الإنصات إليهم وتقديم الإجابات الشافية لهم …
كانّ لا يهدأ … ويعمل بجهد وإخلاص ، بينما يتصبب العرق على جبينه، كنت أراه عندما يخلع نظارته لحظة ، ثم ما يلبث أن يرتديها مرة أخرى .
كان يتحرك من مكتبه لغرفة التصوير، ثم يعود لحظة إلى مكتبه مرة أخرى؛ لينجز بعض المهام، أو يوقع بعض الأوراق …
كان تارةً يتحرك نحو شباك الموظفين ،وتارة ينادي على إحدى النساء طالبا استمارة جديدة .
كان يقوم بذلك تطوعا منه لمساعدة بعض ممن يحتاجون للمساعدة من الرجال والنساء دون سابق معرفة بهم …
وبعد أن أنهيت معاملتي، ذهبت إليه، وتعرفت إليه معجبا بأدائه، وسمته ووقاره الذي لاحظته مع الجميع، وقلت له :
((حضرتك نموذج لرجل الشرطة المحترم المخلص ، فمقولة الشرطة في خدمة الشعب رأيتها تطبق الآن على أرض الواقع ،وأنا سعيد جدا بذلك . وطلبت منه أن أقوم بتصويره ، فهو نموذج يجب الإشادة به في التعامل مع الناس أدبا ورقيا ،فرفض رفضا مطلقا …
ودار بيننا حوار قصير لم يستغرق سوى بضع دقائق ولكنه ترك بصمة خالدة ،إذ منذ سنوات نتواصل معا ،سواء هاتفيا أو من خلال الرسائل التي لا تنقطع ، وعندما أسافر مصر في إجازتي ، ألتقي به ، وأجد نفس المشاهد ماثلة أمامي تتكرر فما أشبه اليوم بالبارحة رغم تغير المكان والزمان .
ولعلكم أعزائي تتساءلون من هو ؟
إنه أحد ضباط الشرطة الأوفياء الذين لا يدخرون جهدا في سبيل خدمة الناس ورعايتهم وخصوصا كبار السن ….
إنه المقدم محمد عصام ، فخر وزارة الداخلية ، ونموذج لرجل الشرطة المخلص الوطني . حفظه الله ورعاه وسدد خطاه .