يجب أن يكون قدوة

فاطمة عبد العزيز محمد
إن الابناء اليوم يعانون معاناة كبيرة من غياب القدوة الصالحة، وكثرة القدوات في الشر، وقلة القدوات في الخير.
وإذا كان الأب نفسه قدوة سيئة لأبنائه فإن المصيبة قد اكتملت، والخروق قد توسعت، لأن معنى هذا أن الابن قد غابت عنه القدوة الصالحة، وتكالبت عليه القدوات السيئة في الشارع والمدرسة والملعب والإعلام وغيره، وهذه هي المصيبة العظمى، والمشكلة الكبرى.
وهناك بعض النساء في مجتمعنا لا يلتزمن بالحجاب الشرعي، ويتساهلن في التمسك بالحشمة والحياء، فتقوم ابنتها بتقليدها، لأن البنت ترى أمها أعظم قدوة لها، ثم إذا بالبنت يتعدى بها الشطط فتخرج من مجرد التقليد في اللبس أو الحجاب فتقع في الفاحشة، أو تقترف الجريمة، فإذا وقع الفأس على الرأس إذا بوالديها يبكيان على عرضها المنتهك، وشرفها المجروح، وسمعتها السيئة، وينسيان أن الملوم الأول هما، لأن هذه البنت ما وقعت في هذا الفخ إلا بسببهما.
وهكذا الكلام الفاحش والبذيء، فإن الأولاد غالباً ما يقلدون أهاليهم في كلامهم وأقوالهم، وربما يزيدون، فإذا كان الآباء والأمهات يستعملون بعض الألفاظ النابية والكلمات الرديئة فإن أبناءهم سيطورون تلك الكلمات، ويجددونها بعبارات أشنع منها وأقبح، فيكون أولادنا قدوة سيئة لأولادهم فيما بعد، والسبب في البداية هو الأب والأم، وهذا لا شك جرم خطير، وذنب كبير، لأنه سيستمر بصاحبه إلى النهاية.
وإذا كان مجرد المخالطة والاجتماع بالغير تفتح مجالاً كبيراً لتبادل الطباع وأخذ الأخلاق، فالطبع لص-كما يقولون- يسرق من غيره، فكيف بمن يجتمع في حقه أثر المخالطة مع أثر الاحترام والاعتراف بالفضل؟ أليست المشكلة ستكون أعظم؟.
ويقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: “مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً، فَلَهُ أَجْرُهَا، وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا بَعْدَهُ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ، وَمَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً سَيِّئَةً، كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ” رواه مسلم.
ويكفي لتصور هذه الصورة بالنسبة لك -أيها الأب- أن تعلم أنه عندما ينزل عندك مستوى القدوة الحسنة إلى القدوة السيئة ستكون أشبه بمن يمسك في إحدى يديه قلماً، وفي الأخرى ممحاة، فكلما كتب شيئا بيمينه محته شماله.
فيجب على الآباء الصدق مع الله -سبحانه وتعالى- في جعل البيت محضناً من محاضن التربية الكريمة للأبناء، وذلك بعمارته بذكر الله -عز وجل-، والحرص على وجودك قدوة صالحة فيه، وتطهيره من أسباب الرجس والفساد، و عدم تمثل السوء قولا أو عملا حتى لا يصبح قدوة لغيره، فإن نبينا -صلى الله عليه وسلم- يقول: “كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، الإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ” متفق عليه.
فليكن الوالدين قدوة صالحة لأبنائهم، يكونون خير قدوة يقتدون بها في كل خلق فاضل جميل، ويصبحون خير مثال لهم في البعد عن كل دنيء وقبيح، ويقول تعالى (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا) [الفرقان:74].