اشغل نفسك بما يهمك… بين فوضى الأخبار وضبابية الأولويات

محمود سعيدبرغش
في زمن تتزاحم فيه الأحداث، وتتنافس الشائعات والعناوين المثيرة على انتباهنا، أصبحنا ننتقل من خبر إلى آخر بسرعة البرق:
القبض على عدد من صانعي المحتوى (الـ “توك كولرز”)، اتهام ممثلة معروفة بالاتجار في الأعضاء البشرية من قبل امرأة تدّعي النسب لرئيس جمهورية سابق، ممثل معروف يتجاهل جمهوره، حادث مأساوي في الإسكندرية حيث اصطدمت سيارة بأسرة بأكملها، حادث عالمي مرعب لمدربة الحيتان جيسكا والحوت القاتل “نيكس”، هذا كله في ظل ارتفاع الأسعار، وتزايد أعباء قوانين الإيجار، وغلاء الخدمات.
لكن، وسط هذا الضجيج، يطرح السؤال نفسه: إلى أين نمضي؟ وما الذي ينبغي أن نشغل به عقولنا ووقتنا؟
الشرع وضبط البوصلة
الإسلام وضع ميزانًا واضحًا لترتيب الأولويات، قال الله تعالى:
> ﴿وَالْعَصْرِ إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾ [العصر: 1-3]
وقال رسول الله ﷺ:
> “من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه” (رواه الترمذي).
فالانشغال بما ينفع، والإعراض عن القيل والقال، من شيم العقلاء وأهل الدين.
حكمة الصحابة والفقهاء
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: “حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوها قبل أن توزنوا”.
وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: “قيمة كل امرئ ما يحسن”، أي بما يقدم من خير وعلم وعمل نافع.
وكان الإمام الشافعي يقول: “إذا أردت أن تطاع، فأمر بما يُستطاع”، أي لا تشغل الناس بما لا طائل منه.
العلماء والتوجيه
أجمع العلماء على أن الانشغال بالقضايا التي لا تعود على الفرد والمجتمع بخير، يضيع الوقت والعمر. قال الإمام ابن القيم: “إضاعة الوقت أشد من الموت، لأن الموت يقطعك عن الدنيا، وإضاعة الوقت تقطعك عن الله والآخرة”.
الواقع بين الغث والسمين
نحن لا نقلل من خطورة الجرائم أو الحوادث، ولا من حق الناس في معرفة الأخبار، لكن الخطورة الحقيقية تكمن في أن يتحول عقل الإنسان إلى أرشيف للشائعات والمبالغات، بينما تغيب عنه قضاياه الحقيقية:
كيف يطور نفسه ويزيد علمه؟
كيف يحمي أسرته من الغلاء وأثره؟
كيف يشارك في إصلاح مجتمعه؟
خاتمة
وسط زخم الأخبار المثيرة، تذكّر قول النبي ﷺ:
> “احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز” (رواه مسلم).
فأنت من يحدد البوصلة، وأنت من يقرر: هل تكون مجرد متلقٍ لما يُبث في العناوين، أم صانعًا لحياتك ونافعًا لغيرك؟
عرض الرؤى
معدل وصول المنشور: ٥
أعجبني
تعليق
إرسال