عالم النوستالجيا

بقلم : د / هاله فؤاد
من منا لم يحن للماضي ، يسترجع ذكرياته من آن لآخر ، وخاصة إذا سمع أغنية كانت مرتبطة بذكرى سواء جميلة أم حزينة .
أو يشم رائحة ما تذكره بغياب من أحب ، أو صورة قديمة مع العائلة أو أصحاب الطفولة .
ولعل السوشيال ميديا لعبت دورا كبيرا في هذا المجال ، تجد شخصا ما ينزل بوست لصورة تجمعه بأصحاب الطفولة، فيصبح حنين جماعي إلى هذه الذكريات التي تخلق إرتباطا عاطفيا بالماضي وتجعل النوستالجيا جزءا من روتينا اليومي.
السوشيال ميديا ساعدت على تحويل اللحظات الشخصية إلى ظاهرة جماعية من خلال هاشتاجات أيام المدرسة ، ذكريات التسعينات ، ذكريات الزمن الجميل .
والآن هل إستنتجتم ماذا تعني نوستالجيا ؟
النوستالجيا هي كلمة يونانية الأصل نوستوس وتعني العودة للوطن ، وألجوس وتعني الألم أو المعاناة .
فهي تعني الحنسن إلى الماضي .
ولكن لماذا نحن إلى الماضي ؟
هل لاستعادة الذكريات الجميلة التي تبعث فينا الشعور بالدفء والحنان ، كاستعادة الذكريات مع أسرتنا ونحن صغار مع حنان الأم ورعاية الأب ، أم هربا من قسوة الحاضر والخوف من المستقبل .
أصل وتاريخ النوستالجيا :
بدأت النوستالجيا في القرنين السابع عشر والثامن عشر كحالة طبية أو مرض نفسي أصاب الجنود والعمال المغتربين البعيدين عن أوطانهم ، وصاحب هذه الحالة أعراض جسدية ونفسية .
أول من إكتشف هذه الحالة هو الطبيب : د/ يوهان هوفر عام 1688 م وكانت الأعراض تشمل الحزن والقلق والإكتئاب ، والرغبة الشديدة في العودة إلى المكان الذي نشأوا فيه.
أما في العصر الحديث ، فأصبح ينظر إليها كشعور صحي ومفيد يساهم في تقوية الروابط الاجتماعية وتحسين المزاج .
تفسير العلماء للنوستالجيا :
النوستالجيا في علم النفس :
هي الرغبة في إعادة إحياء الماضي وإستعادة خلق تلك الفترات المثالية التي يمجدها الشخص ويعتبرها عصور ذهبية في حياته ، وغالبا ماتختلط هذه الرغبة بمشاعر الحزن والندم والشوق للماضي المفقود .
النوستالجيا تخلق توازنا عاطفيا بين الماضي والحاضر ، اذ تقلل الاحساس بالوحدة ، وتمنح الفرد شعورا بالاستمرارية .
التفسير الإجتماعي والثقافي :
علماء الاجتماع يرون أن النوستالجيا ظاهرة جماعية ، خصوصا في أوقات الأزمات والتغيرات السريعة .
فحين يشعر المجتمع بعدم الاستقرار ، يميل الناس إلى التعلق وإعادة الماضي باعتباره رمزا للأمان والوضوح .
لذلك تستخدم النوستالجيا اليوم كأداة تسويقية قوية ، لأنها تثير العاطفة وتربط المستهلك بذكريات الطفولة أو الزمن الجميل .
متلازمة نوستالجيا :
حين يطول التعلق بالماضي ويتحول من حنين جميل ودافئ ومريح إلى عيش دائم ، هنا تبدأ المشكلة ، وتصبح الذكريات قيدا يمنعنا من التقدم .
هذه الحالة تعرف في علم النفس بمتلازمة نوستالجيا.
يلجأ الإنسان إلى النوستالجيا ليهرب من واقعه المؤلم ، فعندما يتعرض إلى موقف مؤلم أو حادثة أو أي إخفاق، فإنه يشعر بالراحة والدفء والأمان والاطمئنان النفسي باعادة الماضي الجميل .
ولكن كيف نعرف أننا أصبنا بمتلازمة نوستالجيا ؟
هناك بعض الأعراض النفسية والسلوكية التي تحدث عند الإصابة بمتلازمة نوستالجيا منها :
الشعور بالحزن أو الفراغ بعد إسترجاع الذكريات ، النظر للماضي على أنه مثالي جدا وأنه العصر الذهبي الوحيد.
الانعزال عن الناس والانغماس في الذكريات ، فقدان الدافع نحو المستقبل ، عدم قدرة الشخص غلى إتخاذ أي قرار في حياته .
الاصابة بالإكتئاب ، التفكير المستمر في الماضي وعدم القدرة على الاستمتاع بالحاضر أو التكيف معه .
لحسن الحظ أننا يمكننا التغلب على هذه الحالة من خلال :
الاعتراف بأن الماضي بحلوه ومره لن يعود مرة أخرى ، محاولة التغلب على المشكلات وأوقات الفراغ من خلال بعض الهوايات مثل الرسم والموسيقى والكتابة والقراءة والرياضة ، المشاركة المجتمعية بحضور الندوات والمؤتمرات والحفلات .
بناء علاقة أكثر واقعية بالحاضر .
هل لاحظتم أن بعض الشباب الآن يحنون إلى الزمن الجميل ، ويشاهدون المسلسلات والأفلام القديمة الأبيض والأسود .
برغم أنهم لم يعاصروها فلماذا يهربوا إليها ، ببساطة لأنهم وجدوا فيها الصورة المثالية المليئة بالدفء والبساطة والأخلاق الكريمة .
والصدق والطمأنينة .
عندي لكم سؤال ؟
شباب هذا الجيل بعد عشرين سنة هل سيحنون لماضيهم ؟
ياريت تجاوبوني في التعليقات لأن رأيكم يهمني كثيرا .






