صور من الذاكرة

 

بقلم: د. حسين مصطفى العبو

في عصر ذلك اليوم الكئيب، وقفت وحيدًا أسترجعُ ذكريات الماضي… تذكّرت حديقة منزلنا وجدران غرفتي التي كنتُ أشكو إليها آلامي وأحزاني.

أبحرتُ بعيدًا في سفينة الذكريات، استرجعتُ أصدقائي الذين كانوا ينشرون الحبّ في كل زاوية… أصدقائي الذين حفروا أسماءهم في قبلي قبل عقلي.

تذكّرت ساحة المنزل وهي تحدّثني دائمًا بلا كلل أو ملل، تطلب منّي أن أكون مثالًا يُحتذى في الصدق والوفاء.

تذكّرت تلك اللحظات الجميلة التي كانت الجدّة تحكي لنا فيها الحكايات الدافئة… تذكّرت ذلك المنظر الذي لا يغادر وجداني أبدًا… منظر أبي وهو يتسلّق شجرة التين العملاقة ليقطف لنا بعض ثمارها الناضجة… أمسكتُ تينة كبيرة وبدأتُ أتجاذب أطراف الحديث معها… سألتها: هل أنتِ حزينة؟ أجابت والدموع البيضاء تنهال من عينيها: نعم أنا حزينة… لن أستطيع العودة مرة أخرى إلى حضن أمّي، أصبحتُ وحيدة بلا عائلة.

تذكرت صديقتي الصدوقة وردة الجوريّ… كم شكوتُ إليها أحزاني وما يختلج في نفسي، وكانت تردُّ عليّ بنوع من الشكر والثناء… كلمّا حدثتها عن عذابي وآلامي أرسلت إليّ وردة حمراء تخفّف عنّي.

تذكّرت صديقي الحكيم والصامت دائمًا كتابي، كم اشتقت إلى نصائحه الجميلة، كنت أشعر براحة لا توصف، حين أبوح له بأسراري الدفينة، وهو يستمع إليّ بكلّ اهتمام على عكس البشر الذين كانوا لا يلقون بالًا لحديثي أو شجوني، … حتى أفراحي لم يكونوا يعيرونها أدنى اهتمام.

لا أستطيع وصف مشاعري في تلك اللحظة، كانت مزيجًا من الفرح والسعادة والألم والأمل.

تلك اللحظة جعلتني أتذكّر عشقي الأوّل للطبيعة والأشجار والزهور والعصافير… جعلتني أستعيدُ ذاك الحلم الذي راودني كثيرًا: “أيمكن أن يأتي يومٌ نكون فيه أحباء وأصدقاء وأنقياء كنقاء هذه الطبيعة؟”… أجيب نفسي: لمَ لا؟ لا يوجد مستحيل ما دامت الإرادة موجودة في قلب كلٍّ منّا.

وهنا بلا استئذان، تطلُّ صورة الذكريات، تسترجع رائحة أمّي، وهي تردّد حكمة قالتها لي ذات يوم: يا بنيّ، انشرِ الحبَّ في كلّ مكان، واجعل من نفسك شيئًا عظيمًا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *