صرخة جدار

 

بقلم: د. حسين مصطفى العبو

ذات يوم هاتفني صديقُ الذكريات غاضبًا: لم أعد أحتاج إليك أيّها الجدار، أصبحت عبئًا ثقيلًا عليّ، أينما التفتت أجدك تحاصرني، أنت مرآتي التي تشبهني وتذكّرني بواقعٍ لا أريد أن أذكره أبدًا.

صرخ الجدار معترضًا: أيّها الإنسان، أنا لم أشبهك يومًا، ولن أكون شبيهًا بك أبدًا… نعم بيديكَ أيّها الإنسان غيّرتُ لوني أكثر من مرّة، لكنّي لم أفكر يومًا في تغيير جلدي.

أتذكرُ تلك الأيام البعيدة، حين كنتَ تأتي إليّ شاكيًا من ظلم بني جلدتك، ثمّ تدوّن على جبهتي أحلامك التي ستصنعها في المستقبل.

وعدتني كثيرًا بأنّك ستكون مثالًا للشرف والنزاهة، نصيرًا للمظلومين في كلّ بقاع الأرض… وعدتني بأنّك لن تكذب أو تسرق أو تنافق أو…

أرك اليوم يا صديقي القديم تتنكّر لذاك الماضي وتتنصّل من تلك الوعود، وتشيح بوجهك عنّي… ماذا حصل لك؟ أخبرني يا من كنتَ رفيقي ذات يوم، لماذا تغيّرت؟ أراك قد بدّلت جلدك أكثر من مرّة، لم أعد أعرف ظاهرك من باطنك بعد أن كنتَ تزعمُ أنّي مستودع أسرارك، والملاذ الذي تبوحُ له بكلّ ما يجول في خاطرك، لكنّك اليوم تأتيني زائرًا ثقيلَ الظل، تنفث سمومك في كلّ ندبة من جسمي المتهالك، غريبٌ أمرك أيّها الإنسان، نسيت أم تناسيت ما كانت تخطّه يداك الصغيرتان من حكمة وحبّ وشعر وصدق و….

أخبرني أيّها الإنسان، لماذا تكون طيّبًا وجميلًا وصدوقًا في صغرك، وعندما تكبر تصبح ماردًا لا يرحم، تصبح جامدًا بلا قلب؟

آهٍ! كم ظلمني التاريخ والبلاغة والشعر، حين حصروني بدور الجماد الذي لا يحسُّ بأوجاع الآخرين، وجعلوك المثَل الأعلى الذي يُقتدى به في الرقّة والطيبة والعطف ومكارم الأخلاق.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *