سفاح مشهور

ان حب الشهرة والصيت هذا المرض موجود في نفوس الكثيرين، حيث أن كثير من الناس تتوق نفسه إلى أن يشار إليه بالبنان أو أن يكون هو حديث المجالس أو أن يسمع قوله أو يكتب، لذا قد يسعى بعضهم بكل سبيل إلى تحقيق ذلك ولو على حساب مخالفة الدين والأخلاق، إذ من خصائص الشهرة أنها تؤز المرء إلى المغامرة أزًّا، ويدعى إلى تبرير كل وسيلة موصلة إليها دعا، وهنا مكمن الخطر ومحمل الشوك الذي لا ينتقش.

لذا، حذر الشرع المطهر من حب الشهرة والظهور الداعي النفوس المريضة إلى تعلق القلب بتأسيس بنيان السمعة على شفا جرفٍ هار أو الإعداد لرفع الظمأ من سراب بقيعةٍ يحسبه الظمآن ماءً حتى إذا جاءه لم يجده شيئًا.

ونجد أن التاريخ حافل بالعديد من القصص الإجرامية ذات النفوس الخبيثة، والتي يحاول فيها القاتل تحقيق ما لا يحق له، فهلا هو اجتهد وكافح ليحصل على الشهرة؟، فهذا ما يعرف بمرض الشهرة، في محاولة منه لفرض نفسه على الناس، ومحاولة لتحقيق الشهرة لكن من اسوأ ابوابها.

حيث ان من باب أولى أن يجد ويجتهد في الحياة، حتى يستحقها عن جدارة، فتسير حياتنا في تجدد مستمر، لا أن تكون على حساب أبرياء، فبأي حق تزهق نفس إنسان وييتم أبناءه.

وتكون خطورة الأمر ايضا في تقليد نماذج أخرى له، لتتكرر نفس الجرائم، فيجب أن يكون قدوة في ما ينفع الناس ونشر الخير ومساعدتهم، وليس في ما يضر الناس بل والبشرية جمعاء، فالبحث عن الشهرة بطريق غير مشروع خلل في عقيدة التوحيد، حيث عليه أن يجتهد في مراعاة قلبه، وتصحيح نيته، وأن يكون عمله ذلك لوجه ربه خالصا، ونظر الناس إليه إنما هو أمر قدر عليه، دون طلب منه، وسعي، والتفات قلب، ومحبة منه لنظر الناس، وحديثهم، بل يسعى أن يجعل ذلك كله في ذات ربه، فاليعالج نيته ولا يغفل عنها.

إن الإسلام بطبيعته المعتدلة يريد لأفراده أن يكونوا صالحين متوازنين لا يغترون بالدنيا أو تتعلق بها قلوبهم، والسعيد من جعل الدنيا مطية للآخرة فصارت له دار ممر لا دار مقر، قال تعالى: {وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [131طـه].

فعلى العبد أن يجاهد نفسه في دفع هذا الداء العضال عنها، حيث أن الناس لا ينفعون ولا يضرون، فلا يزين مدحهم، ولا يشين ذمهم، وإنما الذي يزين مدحه ويشين ذمه هو الله تعالى، ومن ثم فلا يكون له مقصود غيره ولا يبتغي بعمله غير وجهه، ويعلم كذلك أن حرصه على الشهرة بطريق غير مشروع يفسد دينه، كما في الحديث الصحيح الذي أخرجه الترمذي وغيره: “ما ذئبان جائعان أرسلا في غنم بأفسد لها من حرص المرء على المال والشرف لدينه”.

ويقول تعالى معلمًا نبيه: {قُُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام162] أي أن كل أعمالي ومقاصدي محصورة في طاعة اللّه ورضوانه، وعلى المسلم أن يكون قصده وعمله وكل ما يقدمه من عمل هو وجه الله تعالى، سواء في أثناء حياته، أو ما يعقبه من عمل صالح بعد مماته، هو للّه، وإلى الله، وفي سبيل الله، ولطاعة الله تعالى.

كتب فاطمة عبد العزيز محمد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *