أرأيت الذي يكذب بالدين

بقلم / محمـــد الدكـــروري

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أما بعد فإن خير الكلام كلام الله تعالى وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، ثم أما بعد لقد حثنا الإسلام علي إكرام اليتيم ومراعاتة وصيانته، وعدم هضم حقوقة وظلمه، ولنعلم جميعا إن مكمن الداء أن البعض منا إذا تناول هذه المعضلة الاجتماعية فإنه يتناولها من ناحية نظرية وإن تحدث عنها فمن زاوية وعظية، ولما يستوعب خطورة هذا الشأن، فالقرآن الكريم إعتبر من يدعّ اليتيم مكذبا بالإسلام.

حيث يقول الله تعالى “أرأيت الذي يكذب بالدين فذلك الذي يدعّ اليتيم ” وهي سورة الماعون وتسمى هذه السورة أيضا بسورة التكذيب، وفي بدايتها إستفهام فيه تشنيع وفضح وتعجيب من هذا المذكور، وبيان أنه يقف في دائرة بعيدة عن حقيقة الدين كما يفهم من إسم الإشارة للبعيد فقال فذلك، وفي الآيتين السابقتين إتهام مباشر لا التواء فيه، فكذلك ينبغي أن نعامل كل مقصر في هذا المجال، وقد سعت السورة للدلالة على خطورة دعّ اليتيم، وأن ربطته بالعقيدة وإرجع إلى سورة البلد لتجد كيف سبق إطعام اليتيم فيها، الكينونة مع الذين آمنوا، فقال تعالى ” فلا اقتحم العقبة وما أدراك ما العقبة، فك رقبة أو إطعام في يوم ذي مسغبة، يتيما ذا مقربة أو مسكينا ذا متربة، ثم كان من الذين آمنوا وتواصوا بالحق وتواصوا بالمرحمة”

ومعنى يدع اليتيم أي يدفعه بعنف عن إستيفاء حقوقه وليس الدّعّ إلا كلمة عجيبة اشتملت بالإضافة إلى التشديد الكائن في مادة الكلمة على كل معاني الإقصاء والإهمال والشدة والعنف وسائر مظاهر الظلم التي تلحق باليتيم ومثلها كلمة القهر في سورة الضحى، بل هي أعجب لما إنطوت عليه من ممارسات الضغط النفسي والبدني التي تفترض شخصا فاعلا وآخر مفعولا به، وهي حبلى بكل المعاني التي تورث الإهانة ونقص الكرامة والشعور بالضعف والنقص ويدل على هذا أصل الكلمة اللغوي وهو الأخذ من فوق كما في لسان العرب لابن منظور، وقد ذكر القرآن الكريم أن الذين يأكلون أموال اليتامى إنما يأكلون نارا في بطونهم.

ووجه المناسبة أن الذي يأكل مال اليتيم ظلما، فإنه يعرض اليتيم بذلك لنار الجوع والفقر، ولفح الحاجة والمرض، فما يأكله هو نار لأن الحصاد من جنس الزرع، وأما عن الوجه السادس وهو من المسؤول عن دعّ اليتيم وقهره ؟ فنريد في هذا السياق أن نصحح مفهوما خاطئا عن اليتم، وهو إرتباطه في الأذهان بالظلم والقهر والحرمان النفسي، فلا نكاد نسمع عن يتيم إلا وتقفز أمامنا صورة طفل ذليل تتقاذفه الأبواب والطرقات والواقع أن هذه صورة صحيحة ولكن ما ليس بصحيح هو عزو سبب ذلك إلى اليتم والحال أنه ليس شرا في ذاته وليس هو المسئول عن هذا الواقع وإنما المسئول هو المجتمع ثم المجتمع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *