مجابهة غزو الوعي الجمعي والسيطرة على العقول

الأديب/ احمد أمين عثمان
وعي مضاد لعصر التزييف..
في عصر تتسارع فيه وسائل الاتصال وتنمو أدوات التأثير الجماهيري بشكل لم يسبق له مثيل وأضحى الوعي الجمعي هدفا مكشوفا أمام حملات التلاعب المنهجي.
لم تعد السيطرة على العقول مقتصرة على الأنظمة الشمولية أو الدعاية العسكرية بل امتدت إلى أدوات الثقافة والإعلام والتعليم وحتى الذكاء الاصطناعي.
إن مجابهة هذا الغزو لا تقتصر على رفع الشعارات أو الانغلاق الذهني بل تتطلب استراتيجية وعي عميقة وفهما لطبيعة هذا الخطر المتسلل في ظاهرة تيك توكايه ال٣٠ ثانيه والسيطرة على العقل اللاواعي.
تعريف غزو الوعي الجمعي
الوعي الجمعي هو المخزون المشترك من القيم والمفاهيم والمعتقدات التي تتشكل لدى مجموعة من الناس في مجتمع معين.
أما غزوه فيشير إلى محاولات ممنهجة لتغيير هذا الوعي أو توجيهه لخدمة مصالح محددة غالبا ما تكون على حساب الهوية والحرية والكرامة وتدمير الأخلاق والمبادئ .
الغزو لا يكون دائما عنيفا أو واضحا بل غالبا ما يتسلل عبر الإعلام و التعليم والمحتوى الترفيهي التافه و الخطاب الديني المسيئ أو عبر تطبيع مفاهيم جديدة تدريجيا حتى تبدو وكأنها من صلب الثقافة الأصلية.
أدوات غزو الوعي والسيطرة على العقول
الإعلام الموجه
يستخدم الإعلام الموجه أساليب الإقناع العاطفي والتكرار والإلهاء لصياغة الرأي العام بما يخدم أجندات معينة.
ويتم ذلك أحيانا من خلال تصدير نماذج زائفة للنجاح أو تزييف الوعي بالمشاكل الحقيقية.
الترفيه كأداة تطبيع
تمرر الكثير من المفاهيم من خلال الدراما والأفلام والموسيقى حيث يتم تقديم القبح في قوالب جذابة أو تسويق قيم دخيلة على أنها حرية أو تقدم.
التعليم المؤدلج
عندما يصبح التعليم وسيلة لتفريغ العقول من التفكير النقدي ويتحول إلى مجرد تلقين أيديولوجي يفقد الإنسان قدرته على تمييز الحقيقة من الزيف.
وسائل التواصل الاجتماعي
تسهم الخوارزميات في تشكيل فقاعات فكرية تحاصر المستخدمين في نطاق محدد من الآراء مما يغذي الانقسام ويمنع الحوار الحر ويجعل من السهل توجيه الجماهير نحو قضايا هامشية.
اللغة والخطاب
يتم التلاعب بالألفاظ وتفريغ المصطلحات من معانيها أو إعادة تعريفها بما يخدم الخطاب السائد.
فتصبح حرية الفكر تهمة والخيانة وجهة نظر والكرامة وهما يجب التضحية به من أجل الاستقرار المادي.
كتب الأديب احمد أمين عثمان حتى لايسرق المقال.
آثار الغزو على المجتمعات تفكك الهوية الجماعية.
تراجع الحس النقدي والتفكير المستقل.
تحويل المواطن إلى مستهلك سلبي للمعلومة
تصاعد التبعية الثقافية للغرب أو لأي سلطة مسيطرة.
تطبيع الفساد والإذعان والإحباط كحالة يومية
للأنبطاح.
كيف نجابه ونواجه هذا الغزو
نشر الوعي النقدي يجب أن نعلم الأفراد كيف يسألون كيف يشككون وكيف يبحثون عن المصادر لا كيف يرددون ما يقال لهم.
العقل الحر هو الحصن الأول.
دعم الإعلام المستقل من الضروري دعم منصات إعلامية حرة و غير ممولة من أجندات سياسية أو اقتصادية و تتيح للرأي والرأي الآخر أن يتواجها ويتناظرا أمام الجمهور.
إصلاح التعليم لا بد من تغيير فلسفة التعليم من التلقين إلى الحوار والبحث من الامتحان إلى التفكير ومن حفظ الإجابة إلى طرح السؤال.
تغذية الهوية الثقافية والسياسية الأصيلة لا بمعنى الانغلاق بل بمعنى الفهم العميق للجذور والانفتاح الواعي على الآخر الثقافة الأصيلة هي التي تتفاعل دون أن تذوب.
بناء خطاب ديني وروحي متنور الدين قوة جبارة في تشكيل الوعي ولكنه حين يحتكر من قبل مؤدلجين يتحول إلى أداة طيّعة في أيدي الغزاة.
المطلوب هو خطاب يعيد الإنسان إلى جوهر القيم لا إلى قشورها.
مقاومة التزييف عبر الفنون الفنون يمكن أن تكون مرآة الوعي أو وسيلة تشويهه.
المطلوب إنتاج فني حر وناقد وصادق ينقل الواقع ويحفز الخيال، لا يسوّق الكذب ويبرر القبح.
التحرر من تقديس الرموز لا أحد فوق النقد ولا فكر ولا شخص ولا سلطة.
حين نكسر الأصنام المعنوية نفتح الباب أمام العقل ليكون سيدا.
فضلا غزو الوعي ليس خرافة بل معركة حقيقية تدور كل يوم وعلى وفي كل شاشة نفتحها وكل درس نتلقاه وكل أغنية نسمعها.
من لا ينتبه للعقل الذي يسرق منه يستيقظ يوما ليجد نفسه غريبا عن ذاته وعن وطنه.
المجابهة تبدأ من سؤال بسيط من هذا الصوت في رأسي وهل هو صوتي حقا.
لاتدع احد أو فكرة تسيطر عليك وتشكل إيدولجيتك خلقك الله حرا.
وحين نعيد امتلاك هذا الصوت و نكون قد بدأنا فعلا نحرر عقولنا.