يحدث على مواقع التواصل الاجتماعي.

كتب/ عاطف البطل

كاتب صحفي، عضو جمعية الصحفيين بالإمارات

aeatef@gmail.com

 

لقد اخترقتْ كلَّ الحدود والحواجز، وفتحت كلَّ الأبواب المغلقة، وانتهكت الحياة الخاصة، وفرّقت بين الأزواج، وأبعدت صلة الرحم عن أرحامها، وشتّتتْ شمل الأسرة، فأصبح كل فرد فيها منكفئا على نفسه، لا يرغب في أسرته، فشاعت الأمراض النفسية والاجتماعية وحتى البدنية، وأصبح لا ملجأ منها ولا مهرب عنها إلا لذوي البصر والبصيرة، فهل نعتبر!

إنّ ما يكتب من العبارات على منصات التواصل الاجتماعي، إنما يعبر عن أفكارنا ومعتقداتنا وسلوكنا، فلنحرص على اختيار ألفاظنا التي تعبر بدقة عن أفكارنا حتى لا يفهمنا الآخرون بشكل خطأ، وعلينا أن نعلي من ثقافة احترام الآخرين، فالاحترام يدل على حسن التربية وإن كان لا يدل على الحب، وتذكروا دائما ليس عليكم أن تقنعوا الآخرين بوجهة نظركم في قضية ما، ولكن من المهم أن تكون الأدلة والبراهين قوية يقبلها العقل ويوافقها المنطق.

 

لقد انتشرت حمّى الأحكام على الأحداث بمختلف أنواعها، وأصبحت تُطلق جُزافاً دون التثبت من حقيقة الأمر، فنظلم صديقًا، أو قريبًا، أو مؤسسةً، أو حكومةً…

فهنا نجد أحدهم يحاول أن يجادل في تبرير موقفه، رغم أنه ليس من الضروري أن يفعل ذلك، وهناك مَن يستفسر عن الهدف ويحسن الظن، ولكن علينا الانتباه أنْ تخدعنا صورة أو مقطع فيديو من هنا أو هناك، فكلاهما قد يكون كاذبًا ماكرًا لهدف خبيث في نفسه، يؤدي إلى حقدٍ أو كراهيةٍ أو فقدانِ الثقة..

وقد قال الجاحظ -رحمه الله -“لعَمْري إن العيونَ لتكذب وإنّ الحواس لتخطئ، وما الحكمُ القاطعُ إلا للذهن” فعلينا أن نتدبر بعقولنا قبل عيوننا وحواسنا.

ولا شك أن بعضنا إن لم يكن معظمنا يشارك في أحد الموضوعات التي تطرح للنقاش على بعض مواقع التواصل الاجتماعي، سواء كانت اقتصادية أم اجتماعية أم سياسية، والتي انتشرت بصورة كبرى بين الصغار والكبار، فبات الأمر أكثر تسلية منه إفادة واستفادة.

فالكل يجد ذاته في المشاركة، سواء كانت نيته التسلية أو تضييع وقت الفراغ هباء، أم كان صاحب قضية يعرض رأيه بموضوعية، فلعل الله يحدث أمرًا، ومن خلال متابعتي لبعض الموضوعات، أو اشتراكي في النقاشات والحوارات في بعضها، وجدت فئة من الأفراد يقومون بالتضليل، سواء كان ذلك بقصد أم دون قصد، وقد تبدو عليهم مظاهر العلم والثقافة، وقد تجد أحدهم عنده الإحاطة بما يقال، فلا يرد على الفكرة المطروحة، وإنما يقوم بعرض فكرى أخرى بهدف تشتيت الأنظار وصرف الأذهان وقد ينجح في ذلك فينجذب جزء كبير من الجمهور معه.

إن ما يفعله أمثال هؤلاء يمكن أن يندرج تحت مسمى ” المغالطات ” وهي مسألة مهمة جدا، وعلى الجميع أن ينتبه لها ويحذر منها، كي لا يقع في بؤرة التضليل من قبل بعضهم، الذين يتربصون بنا، ويستهدفون شبابنا.

فعندما نشاهد جدالًا بين شخصين، علينا أن نناقش ما يعرضانه من أفكار-ذهنيًا- ، حتى وإن صدرت من صديق أو قريب، وعندئذ سوف ندرك أن بعضهم يستخدم المغالطات في دحض أو تأييد فكرة معينة بقصد أو دون قصد، فالمغالطات أغلفة تغلف الأخطاء فتبدو في صورة غير صورتها وكأنها صواب.

وأنت نفسك عزيزي القارئ، عندما تعرض قضية معينة وتستخدم حجتك المنطقية لإقناع الآخرين، قد تجد شخصا غير قادر على الرد بأدلة منطقية، فماذا يفعل؟

إننا نجده يعمل على تحييد حجتك، فيعرضها بطريقة مغالطة، حتى يوهم الأخرين بأن حجتك ضعيفة، ويقوم بالرد على حجته الضعيفة التي أوردها هو وليس على حجتك القوية التي تعرضها أنت، فيوهم الناس بأنه تغلب عليك.

وسوف أسوق بعض الأمثلة حتى تتضح الصورة أكثر، حيث كان “يوم المرأة العالمي ” وبدأ بعضهم يكتب عن مكانة المرأة وتميزها وفضلها خصوصا إن كانت أما، هذا هو محور الحديث، ثم تفاجأ بشخص يرد عليه قائلا: هناك حديث صحيح، يقول إن المرأة خلقت من ضلع أعوج وهي ناقصة عقل ودين، فكيف تمجدون في المرأة، ومهما فعلت المرأة تظل امرأة ولن تتفوق على الرجل.

وينصرف الحوار عن الموضوع الأساسي وهو “يوم المرأة العالمي ” إلى موضوع آخر تماما وهو خلقها من “ضلع أعوج ” وهي “ناقصة عقل ودين ” وهل هي أفضل أم الرجل ، وتبدأ الخلافات تسود بين الطرفين وينضم فريق إلى الطرف الأول، في حين ينضم فريق آخر إلى الطرف الثاني ، وهكذا يبدو للبعض بأن الطرف الثاني قد انتصر على الطرف الأول رغم أنه انتصار زائف ؛لأن الحجج التي ساقوها لا تنصب على الموضوع الرئيس المطروح للمناقشة، وإنما قاموا بعرض موضوع آخر تماما ،وبدؤوا يسوقون الأدلة التي تؤكد مزاعمهم لتثبت انتصارهم الزائف وهم يدركون ذلك .

فعلى القارئ أن ينظر حوله جيدا، سيجد الكثير من المغالطات التي يستخدمها الكثير من حولنا سواء بقصد أم دون قصد، فاحذر أن تقع في براثنها، وحاول أن تفند حججها بصورة واعية منطقية، ولا تجعل الآخرين يعبثون بفكرك فيقنعوك بصحة الخطأ، وخطأ الصواب.

وهناك أمر آخر يحدث على مواقع التواصل وقد نمى وانتشر بصورة غير مسبوقة، حيث نجد الكثير من المفاخرة بين الناس حتى أصبحت سباقا محموما لا ينجو منه إلا القليل، فبعضهم يصور سيارةً فارهةً أو منزلاً جميلاً أو طعاماً كثيراً لذيذا، أو يصور أبناءه وبناته دون ضرورة، ثم ينشر ذلك على مواقع التواصل الاجتماعي بهدف التباهي على الآخرين، وهو لا يدري أن ذلك قد يكون سببا في هلاكه…

يقول العلامة ابن حزم الأندلسي -رحمه الله- قبل ألف عام:

“كم رأينا من فاخر بما عنده من المتاع، فكان ذلك سببا لهلاكه بعين حاسدٍ أو كيد عدو، فإيّاك وهذا الباب فإنه ضرٌّ محضٌ لا منفعة فيه أصلاً”.

وكم رأينا الكثير ممن فعلوا ذلك ممن نعرفهم، وممن لا نعرفهم، ونشروا وتفاخروا على الملأ دون عِبرة مما يحدث حولهم، فرأيناهم قد أصابهم الحسد؛ فأصيبوا في أنفسهم أو أموالهم أو ماتوا من عين حاسدٍ، أو حقد حاقدٍ، أو كيد عدوٍ، أو لصٍ ماكرٍ مخادع، فلنبتعد عن ذلك كله، فلا فائدة منه تُرتجى ولا منفعة فيه تُبتغى.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *