حينما يُعذّب الإنسان نفسه

بقلم/محمود سعيد برغش
في ليلةٍ ساكنة، جلس “يوسف” في زاوية بيته، يضع رأسه بين يديه، وقد ضاقت الدنيا بما رحبت. لم يظلمه أحد، لم يُسلب حقه، ولم يُؤذَ من قريبٍ أو بعيد، لكنّه كان يشعر بمرارةٍ لا تُطاق…
لقد كان الجاني والضحية معًا؛ عذّب نفسه بنفسه.

قال الله تعالى:
﴿وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾ [النحل:118].
فمن قصّر في طاعة الله، وألقى بنفسه في بحار المعصية، فقد حمل على كتفيه ظلمًا لا يراه الناس، لكنه يثقل قلبه وروحه.

وقال جل شأنه:
﴿وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ﴾ [القصص:50].
فالهوى إذا تحكّم بالإنسان، قيّده بقيودٍ خفية، فيظن الحرية في شهواته، وهو أسيرٌ لما يدمّره.

قال رسول الله ﷺ:
«كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون» (رواه الترمذي).
فالذنب لا يُهلك صاحبه ما دام رجع إلى ربه، إنما الهلاك أن يُصرّ المرء على المعصية ويغلق باب التوبة على نفسه.

وقال ﷺ:
«اتقوا الظلم، فإن الظلم ظلمات يوم القيامة» (رواه مسلم).
وأول ما يظلم الإنسان… نفسه.

قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه:
“حاسبوا أنفسكم قبل أن تُحاسبوا، وزنوها قبل أن توزنوا”.

وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه:
“من لم يُهذّب نفسه لم ينفعه علمه”.

وقال الحسن البصري رحمه الله:
“ابن آدم، إنما أنت أيام، فإذا ذهب يومك ذهب بعضك”.

وقال ابن القيم رحمه الله:
“أعظم الظلم أن تظلم نفسك، فتضعها في غير موضعها، وتعرّضها لسخط الله، وقد خلقها لجنته”.

كان يوسف يظن أن لذّته في المال الحرام، وسعادته في السهر على اللهو. لكن كل ليلة كان يعود فارغ القلب، مثقل الروح. وحين اشتد به المرض، عرف أن لا أحد ظلمه سوى نفسه.

رفع يديه إلى السماء والدموع تنهمر، وقال:
“ربّ، إني ظلمت نفسي، فاغفر لي”.
فجاءه وعد الله في قلبه:
﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ﴾ [الزمر:53].

فشعر براحة لم يذقها منذ سنين، فقد أزال ثِقَل الظلم عن نفسه بالتوبة.

يا ابن آدم، لا تعذّب نفسك بالمعصية، ولا تُلقي بها في ظلمات الهوى، فإنك إن لم ترحمها اليوم، عجزت عن إنقاذها غدًا.
وتذكر قول النبي ﷺ:
«التائب من الذنب كمن لا ذنب له» (رواه ابن ماجه).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *